عبدالعزيز الفضلي: الهجرة النبوية وأُسس بناء الدولة

زاوية الكتاب

كتب عبدالعزيز الفضلي 668 مشاهدات 0


لم يكن الهدف الوحيد من هجرة الرسول، عليه الصلاة والسلام، من مكة إلى المدينة هو التخلص من أذى المشركين، وإنما كان من أعظم الأهداف تأسيس الدولة الإسلامية.

تلك الدولة التي يتمكّن فيها أبناؤها من أداء عباداتهم دون خوف أو وجل، وتكون المركز الذي تنطلق منه الوفود لنشر الدين الإسلامي، وتكون المأوى الذي يلجأ إليه المسلمون المضطهدون في الأرض.

لقد تمكّن نبي الأمة، عليه الصلاة والسلام، من بناء الدولة على أُسس ودعامات قوية، مكّنته من العودة إلى مكة فاتحاً بعد مضي ثماني سنوات فقط من خروجه منها.

فمن أول هذه الأسس: تقوية العلاقة بين المسلمين وخالقهم، وهي أعظم علاقة يجب الحرص عليها والتمسك بها.

فالله تعالى هو الناصر «إن ينصُركم اللهُ فلا غالبَ لكم وإن يخذُلكم فمن ذا الذي ينصُركم من بعده».

وهذا النصر لا يُعطى إلّا لمن نصرَ دِين الله «إن تنصروا اللهَ ينصركم ويثبّت أقدامَكم».

ومن صور نُصرة دين الله: تطبيق شرعه وإقامة شرائعه، وأداء ما أمر واجتناب ما نهى، ومن أول تلك الأوامر إقامة الصلاة.

لذا حرص عليه الصلاة والسلام أن يكون أول أعماله عند قدومه المدينة هو بناء المسجد.

فالمساجد أعظم معالم الدين الإسلامي، وهي البناء الذي يجتمع فيه المسلمون خمس مرات في اليوم والليلة ليتباحثوا في أمور دينهم، وهو المكان الذي تتساقط فيه الفوارق الاجتماعية والطبقية، وهو المركز الذي تنطلق منه الوفود الدعوية والجيوش الفاتحة.

وهو المقر الذي تتوحّد فيه القلوب عندما تتجه نحو قِبلة واحدة، خلف إمام واحد.

وأمّا الأساس الثاني، فهو توثيق العلاقة ما بين المسلم وأخيه المسلم، وقد تحقّق ذلك عندما آخى النبي، عليه الصلاة والسلام، بين المهاجرين والأنصار.

فالمجتمع القوي هو الذي تترابط فيه أواصر الأُخوة بين أبنائه، وهو الذي يُحب المرء فيه لأخيه ما يحبه لنفسه، وهو المجتمع الذي تذوب فيه الفوارق الطبقية والاجتماعية والعرقية، وهو البيئة النظيفة التي تُصان فيها الدماء والأعراض والأموال، وهو المناخ الذي يقدّم فيه المسلم مصلحة أخيه على مصلحته، ويؤثره على نفسه.

فلما ثبت هذان الأساسان: قوة العلاقة مع الله، وتوثيق العلاقة بين المسلمين، تمكّن النبي، عليه الصلاة والسلام، من بناء مجتمع متماسك، استطاع من خلاله نشر الإسلام، والثبات في وجه المُلمات.

فهل تستفيد الدول العربية والإسلامية من دروس السيرة النبوية، ما يجعلها قوية صامدة في مواجهة التحديات؟

تعليقات

اكتب تعليقك