الإعلامية هدى المهتدي: تراتيل إلى جدتي.. وذكرياتٌ في الكويت

فن وثقافة

الآن 2199 مشاهدات 0


في الماضي
لم تكن تعقيدات الذهاب  للحج والعمرة موجودة كهذه الايام
من يتوفر لديه المبلغ المطلوب وجواز السفر يستطيع. ان يسافر إما جواً او براً أو حتى بحراً
واخبرتني جدتي ان قريبا لها نوى  السفر لأداء فريضة الحج مشياً على الأقدام وترك مدينته طرابلس لا يحمل إلا زوادة طعامه ومخدة صغيرة  قبل أشهر من موعد الحج
وعاد سالما يحدث اهله وأصحابه عن مغامراته أثناء هذه الرحلة الطويلة
كانت جدتي تعاني من مرض السكر والقلب  وكتمت ألمها ومعاناتها عن والدتي وخالتي وباقي اهل البيت
كنت أراها تضع يدها على( وركها) وهي تقف في المطبخ لتعد الطعام ولا تترك هذه المهمة لأحد غيرها مع الالم الذي كانت تعانيه من فقرات في عمودها الفقري
لماذا لم تذهب للطبيب للتداوي؟!
كانت عفيفة النفس لا تحب أن تطلب من جدي أجرة الطبيب كان يرحمه الله لاهياً عن مشاكل البيت وأهل البيت ومصروف البيت وكل همه البناء وتحقيق هوايته الطاغية هذه وارتفاع طوابق بناياته
كان غنيا وصاحب أملاك كان مولعاً بشراء البيوت الأثرية وترميمها وعرضها للبيع وأيضا كان هو من يصمم بناء طابق فوق طابق في بنايته  سكن العائلة دون أن يكلف احد المهندسين كنت أرى عمال البناء يصعدون يوميا الى السطح لمزاولة عملهم بين الأحجار والاسمنت والتراب والخشب والحديد وكان على جدتي المسكينة ان تعد لهم وجبات الطعام وهذا ما زاد ألمها من الوقوف الطويل يوميا.

صامتة دون أن تتذمر وتتفوه بحرف كان خالي الكبير يحيى هو من يتولى الصرف على احتياجات المنزل ولذلك لم تكن لتطلب منه زيادة للذهاب الى الطبيب المختص رأفة به خالتي منهمكة بين الأقمشة والتفصيل والخياطة ووالدتي مع صديقاتها زيارات للجيران وأنا طوال اليوم أدور وراء جدتي في ردهات المنزل الكبير دون ملل أتعلق بثنايا ثوبها تلقمني حبات ( الحلقوم) الذي أحبه مع البسكوت وحبات ( القدامة بالسكر)).

جاء موسم الحج ونوى جدي وجدتي الذهاب وتم حجز التذاكر و كل ما يلزم من ملابس وباقي المستلزمات،
وعمت الفرحة البيت وبدأت جموع الأهل والإقارب والجيران تتوافد على المنزل للتهنئة والدعوة بالعودة بالسلامة من الارض المقدسة، هذه كانت عادة أهل طرابلس التهنئة قبل السفر والتهنئة بعد الرجوع من أداء مراسم الحج والعمرة.

كنت أعشق هذه التجمعات من الأقارب والجيران لوجود الحلوى  ذات الأصناف العديدة وأنواع الشوكولاة والمكسرات ،كنت أغافل والدتي وأندس بين الزوار لأخطف كمشة من هناك وهناك وأهرب كالقطة المذعورة لأعاود المغامرة من جديد.

ومع هذه الفرحة الغامرة تمرض جدتي ويمنعها
الطبيب من السفر لخطر ركوب الطائرة على حياتها ،
وكان أن تركها جدي بين ألمها وخيبة أملها من مصاحبته وسافر وحده وتمر السنوات ونلحق بالوالد الذي تركنا وراءه وهاجر الى السعودية والتحق بشركة التابلاين كمهندس ومنها الى الكويت، وبعد أن استقر طلب من الوالدة أن تلحق به وتصحبنا أنا واخوتي معها.

عشنا في الكويت سنوات جميلة كبرنا ومررنا بمراحل الدراسة الابتدائية والمتوسطة والثانوية وكان لنا أصدقاء وصديقات الغربة وحدتنا وكنا عائلة ضمن عائلة.

ولم تكن صدفة إنني التحقت هاويةً للاشتراك في برامج الاذاعة والتلفزيون وأنا على مقاعد الصف الثاني الثانوي بمدرسة المرقاب الثانوية للبنات  ووجود والدي كمهندس في الاذاعة الكويتية وبإلحاح كبير مني قدمني لأصدقاء له من المخرجين لتدريبي على الإلقاء والتقديم وايضا التمثيل الذي كنت أعشقه،
واستمر عطائي في هذا المجال مع دراستي الى أن تخرجت من الثانوية العامة بامتياز وكنت أصغر مذيعة سناًّ  تلتحق رسميا كمذيعة في التلفزيون والإذاعة
وفي التلفزيون ،تعرفت على كبير المهندسين المهندس أسامة الريس،
وتمت خطبتي له وحددنا موعد الزواج في الكويت .
وكانت المفاجأة الكبرى التي فاقت فرحتي بزواجي هي حضور جدتي لحضور حفل زواجي مع تشديد المنع  عليها من طبيبها  بعدم السفر وصعود الطائرة لازدياد حالتها المرضية سوءاً،
كنت الأغلى لديها وكانت فرحتها أن تحضنني وتتمنى لي حياة سعيدة،
ولم تسمع نصائح طبيبها ولا جدي ولا أخوالي الشباب بالسفر ووجود الخطر على قلبها وحياتها،
عادت للبنان
وطار قلبي معها ،
وذرفتُ دموعا لم تنقطع حتى اليوم كلما تذكرتُ الخبر المفجع بوفاتها الذي وقع عليَّ وقوع الصاعقة،
وكانت أمنيتها إن رزقتُ بولد أن  أطلق عليه اسم زياد
وكان ما طلبت ،
لقد أسمته قبل أن يولد
يرحمك الله يا جدتي رفيقة
كنت رفيقةَ ذكريات طفولتي والحضن الأكبر الذي غمرني بحب كبير يسع العالم كله.
——————
"تراتيل الى جدتي"
تحت الطبع

تعليقات

اكتب تعليقك