في عالم التدريس.. كانت لنا أيام “6” بقلم أ. د محمد حسان الطيان
فن وثقافةالآن يونيو 24, 2023, 11 م 698 مشاهدات 0
- 6 –
من طرائف التدريس
أودُّ أن ألفت نظر القارئ الكريم إلى أنني لم ألتزم في هذه الحَلَقات نهجًا معينًـا أتبعه، لا من حيث تدرُّجُ الأحداث وتاريخُها، ولا من حيث ترتيبُ الحَلَقات وفق موضوعاتها، فقد تركتُ نفسي على سجيَّـتها، أكتب ما يمور في نفسي، ويضطرب في وجداني، دون قيود أو حدود، وكان هذا شأني مذ دوَّنت أولَ كلمةٍ في هذه الــ (نَّبَضات من زهرة الحياة) التي أرجو أن أجعل منها كتابا يحمل هذا العنوان في المستقبل القريب إن شاء الله تعالى، فقد أربى على المئة الخامسةفي صفحاته، ولله الحمد والمنة.
ومن ثمَّ فإني سأخصص هذه الحَلْقة لذكر بعض ما مرَّ بي في مسيرتي من الطرائف والنوادر واللطائف، وهي في الحقِّ كثيرة، ليتني كنتُ دوَّنتها في وقتها، إذن لبلغت سِفْرا أو بعض سِفر، إذ إنَّ ثقوب الذاكرة لم تبقِ لي إلا أقلَّها، وها أنا أسارع اليوم إلى تدوينها خوف فوتها.
فمن ذلك أني درَّست طالبا كان يبغي التقدم لامتحان الثانوية العامة بفرعها الأدبي في الشام العَروض فأتقن منها ما يبلغه امتحانه في الثانوية، فلما امتحن جاءه تقطيع بيت من البحر الكامل، فقلت له بعد أن فرغ، أرجو أن تكون قد قطَّعته تقطيعًا صحيحًا، فقال لي بالعامية الشامية الممطوطة (إي لَكان أطَّعتو وكتبت تحتو: متكاملن متكاملن متكاملن لأنو من البحر الكامل) فقلت له (الله يكمِّل علينا العقل والدين! ولَك متفاعلن يا فهيم مو متكاملن)
ولي مع تدريس العَروض قصة أرجو أن أفرد لها حلقة كاملة.
ومن الطرائف أن إحدى الوظائف البيتية طُلِبَ فيها إعرابُ بيت عمر أبو ريشة:
بوركَ الخطبُ الذي تحملُهُشرفًا تحتَ ظلالِ العلمِ
فأعرب أحد الطلاب البوري وحده (أي بورِ) والكاف وحدها ضمير متصل.
وآخر أجاب عن سؤال في الامتحان طلبت فيه استخراج جارِّ ومجرور من بيتي شوقي وإعرابهما:
صلاحُ أمْرِكَ للأخلاقِ مَرْجِعُهُ ... فقَوِّمِ النفسَ بالأخلاقِ تَسْتَقِمِ
والنفْسُ مِن خيْرِها في خيرِ عافيةٍ ... والنفسُ من شرِّها في مَرْتَعٍ وَخِمِ
فترك كل حروف الجر التي في البيتين، واستخرج كلمة (عافيةٍ)ظنًّا منه أن أولها حرف جر وآخرها اسم مجرور، فقد أعرب (عا) حرفَ جر، و(فيةٍ) اسمًا مجرورًا!!
نعوذ بالله من الجرِّ والجرائر!
وثالث شرح بيت البارودي:
أصدُّ عن المرمى القريبِ ترفُّعًا **** وأطلبُ أمرًا يُعجِزُ الطيرَ بعدُهُ
بأن الشاعر أعظمُ حارسٍ للمرمى، يصدُّ كلَّ (الطابات) أي الكرات عنه، فلا يدخل عليه أيُّ (غول) أي هدف، وحتى الطير يعجز عن إدخال (غول) عليه!
يا لَـلْكرةِ التي أخذت عقول الطلبة!!
ورابع بل رابعة في الجامعة، كلفتها – ودُفْعَـتَـها - كتابةَ كتابٍ رسمي لمدير الجامعة تطلب فيه أمرًا ما، وذيَّلتُ السؤال بعبارة: (مع استعمال علامات الترقيم) فكتبت الطالبة الطلب راجيةً فيه من مدير الجامعة استعمال علامات الترقيم! وكأن هذا هو المراد من الطلب، ولكن ما علامات الترقيم التي طلبت من المدير استعمالها؟ أنا على يقين أنها لم تدرك ما هيتها فكتبتها كما هي!!
ولعل أطرف ما مرَّ بي في عالم التدريس أن طالبًا عندي كان كثيرَ التأتأة، حتى بتُّ أشفق عليه والله، وأجتنبُ أن أكلِّفه قراءةَ أيِّ جملة مع حرصه الشديد على القراءة والمشاركة فقد كان مجدًّا، وكان أن كلَّفت الطلبة حفظَ نصٍّ من القرآن، يُسمعونني إياه في الساعات المكتبية، فينالون بذلك علامةَ المشاركة في النشاطات الصفيَّة، وجاءني الطالب، وبدأ يقرأ، فراعني والله أنه لم يُتأتِئ ولم يُفأفِئ، ولما سألته عن سرِّ ذلك طالبًا أن يقرأ فِـقْـرةً من الكتاب الذي أمامه عاد إلى التأتأة والفأفأة، وأكَّد لي أنه يعاني من هذه اللثغة مذ كان صغيرا كلما همَّ بالكلام أو بالقراءة، فإذا قرأ القرآن زالت عنه لُثغته، وقرأ قراءةً مجوَّدة يُغبط عليها، فأدهشني ذلك وناديتُ زميلًا لي ليشهد هذا الحدَث العجيب لأني خشيت - إن حدثت الناس عن ذلك - أن أتَّهم بالمبالغة.
فهل يُعَدُّ هذا من عجائب القرآن؟ وما أكثر عجائبه!
ولله سبحانه في خلقه شؤون!
الكويت 26 ربيع الآخر 1442ه
11/12/2020
تعليقات