في عالم التدريس.. كانت لنا أيام “5” بقلم أ.د محمد حسان الطيان

فن وثقافة

الآن 1436 مشاهدات 0


علم نفس النجاح

- 5 –

كثيرا ما أستهلُّ عامي الدراسي بكليمةٍ أرجو بها استنهاضَ هممِ الطلبة، وبثَّ روح التفاؤل في نفوسهم، وهي تدخل فيما يسمَّى بعلم نفس النجاح. 

وملخصها أن عليك أيها الطالب أن تضعَ نصب عينك وأنت تبدأ عامك الدراسي، أو الجامعي، أو مرحلتك أو تخصصك، أنك ناجحٌ فيه بل موفَّق متفوَّق لا يحول بينك وبين بلوغ غايتك حائل، ولا يقف بينك وبين هدفك عثرة أو ظرف طارئ أو تراخٍ أو تكاسل، إنك عند ذلك تستجرُّ إليك أسباب النجاح دون أن تشعر، بعكس ما إذا فكرت منذ البداية بالصعوبات والتحديات والظروف التي تحول بينك وبين النجاح، لأنك إن أقنعت نفسك بها وجدتها تستجرُّ أسباب الإخفاق والفشل والخيبة والرسوب دون شعور وتعمد.

قل أنا ناجح بإذن الله واعملْ لهذا النجاح متوكِّلا على الله سبحانه تبلغْه، وقل أنا راسب لا قدرة لي ولا حول ولا قوة واحصرْ تفكيرك في هذا الرسوب تبلغْـه، أي تبلغ الرسوب الذي منَّيتَ نفسك فيه، فلا تشغل نفسك وفكرك إلا بما تحبُّ وبما تبغي وبما تصبو إليه من علوِّ الدرجات وبلوغ الغايات وتحقيق الرغبات، وإياك ثم إياك أن يخطر لك الإخفاق والرسوب والفشل على بال، واعلم أن ركبَ الناجحين والمتفوقين والخريجين ليسوا أحسنَ شأنًـا منك، بل أنت خير من كثير منهم إن صبرتَ وتجلَّدتَ وعملتَ وجدَدْت.

وإياك أن تقنع من النجاح بأقلِّه، ومن التخرج بأدنى رتبةٍ فيه، ومن الحياة بــ(مشِّ حالَك..ودفِّش.. وطنِّش تعشْ..) بل خذِ الكتابَ بقوة، واحمل الأمانة التي شرَّف الله الإنسان بحملها كما ينبغي أن تُحمل، ولا تكنْ ظلوما جهولا بتضييعها.

﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾. 

واعلمْ أن الفرق كبيرٌ والبونَ شاسعٌ بين مَنْ تصنعُه الحياة وبين مَن يصنع الحياة، وبين التابع والمتبوع، وبين السيد والمسود، وبين الثرى والثريّا...

إِذا غامرْتَ فى شَرَفٍ مَرُومٍ ... فَلَا تَقْنَعْ بِمَا دون النُّجومِ

فَطَعمُ المَوتِ في أَمرٍ حقيرٍ ... كَطَعمِ المَوتِ في أَمرٍ عَظيمِ

يرى الجبناءُ أنّ العجزَ عقلٌ … وتلكَ خديعةُ الطبعِ اللّئيمِ

وكنت كثيرا ما أذكِّرهم بحديث رسولنا صلى الله عليه وسلم:«إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، وَإِنَّمَا الْحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ، وَمَنْ يَتَحَرَّ الْخَيْرَ يُعْطَهُ، وَمَنْ يَتَوَقَّ الشَّرَّ يُوقَهُ » منبِّهًا على صيغة المصدر التعلُّم ومفرّقا بينها وبين صيغة التعليم.

فالتعلُّم مصدر تعلَّمَ فهو يعتمد على النفس وينبع منها، ويتطلب إرادةً تبغي العلم، وهو أقرب ما يكون لمبدأ التعلُّم الذاتي الذي نعتمده في مجال التعليم المفتوح، ويشكِّل أحد أسسه وأركانه.

وأما التعليم فهو مصدر علَّمَ الذي يصدُر من المعلم.. ويعتمد على المعلِّم في كل شيء، ويقيني أن الذي لا يتلبَّس بالفعل الأول، أي فعل تعلَّم ويتحقق بمصدره أي بالتعلُّم، لن يفيد من الفعل الثاني، ولو جئته بأحسن المعلِّمين وأفصحهم وأنبههم.

قَدْ قِيلَ قولًا فِي الزَّمَانِ الْأَقْدَمِ ... إِنِّي رَأَيْتُ الْعِلْمَ بِالتَّعَلُّمِ 

ولا ريب أن المستقبل لهذا الضرب من التعلُّم بعد أن غدا التعليم عزيزا وبعيدا ومحدودا ومحاصرا في زمن الكورونا - عافانا الله منها - بقنوات وشبكات وأنظمة حاسوبية لا يلتقي فيها المعلِّم بمن يعلِّم، فإذا لم يكن عند المتعلم حافزُ التعلُّم فهيهات أن يتعلَّم!

ومطيَّة العلم السؤال، وسبيله التفهُّم والاستفسار، وقديما قيلَ لابْنِ عَبَّاسٍ [ورويت أيضا عن دَغْفَل بْن حَنْظَلَة]: أَيْنَ أَصَبْتَ هَذَا الْعلم؟ قَالَ: بِلِسَان سؤول وَقَلْبٍ عَقُولٍ. وكنت إذا لقيت عالما أخذتُ منه وأعطيتُـه. وقال الشاعر:

شفاءُ العمى طولُ السؤالِ وإنّما ... تمامُ العمى طولُ السكوتِعلى الجهلِ

واعلم أيها الطالب أن كل ذلك إن لم يقترن بتوفيق المولى عز وجل وعونٍ منه، بحسن التوكل عليه والإنابة إليه والسعي في مرضاته فهو عبَثٌ وضياعُ وهباء في الدنيا قبل الآخرة.

إِذا لم يكُنْ عَوْنٌ مِنَ الله للفَتى ... فَأَكثُر مَا يَجني عليهِ اجتِهادُهُ 

 الكويت  25 ربيع الآخر 1442ه

  10/12/2020   

تعليقات

اكتب تعليقك