مشجب الحسد كلام فارغ لتبرير التقصير والفساد، هكذا يكتب أحمد الديين

زاوية الكتاب

كتب 522 مشاهدات 0


الحسد! كتب أحمد الديين ليس هناك مَنْ ينكر وجود الحسد كشعور فردي يتمثّل بكراهية هذا الشخص أو ذاك لنجاحات شخص آخر، ولكن من المبالغة، بل من الخطأ القول إنّ الحسد يمثّل في الكويت، على خلاف المجتمعات الإنسانية الأخرى، شعوراً اجتماعياً عاماً، أدى إلى تعطيل التنمية وتسبّب في تراجع الكويت! صحيح أنّ هناك شعوراً بالامتعاض يتولّد في نفوس فئات واسعة من المجتمع الكويتي عندما يتم منح أفراد قلائل من دون وجه حق منافع خاصة استناداً فقط إلى قربهم من مركز القرار، أو عندما يحصل مثل هؤلاء المتنفذون على امتيازات غير مبررة، أو يجري تنفيعهم بالعقود وتلزيمات الأعمال وانتفاعهم بمساحات شاسعة من أملاك الدولة بصورة بعيدة تماماً عن مبادئ العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص... ولكن شتان ما بين هذا الشعور الاجتماعي العام والطبيعي بالامتعاض من التنفيع وبين مشاعر الحسد... وحتى يصبح الأمر مطروحاً بشكل ملموس، فعلى سبيل المثال شهدنا نهاية العام الماضي إصدار مجموعة من القرارات بفسخ عدد من عقود الـ BOT التي انطوت على مخالفات صارخة كشفتها تقارير ديوان المحاسبة... وهي قرارات محقة ومستحقة من وجهة نظر الغالبية الساحقة من المواطنين تستهدف تصحيح المخالفات وإعادة الاعتبار إلى سيادة القانون، ولكنها قد تكون حسداً بغيضاً من وجهة نظر القلة المنتفعة، التي تضررت مصالحها من تلك القرارات! وهذا أمر مفهوم تماماً وقائم في مختلف المجتمعات الإنسانية، فاختلاف المصالح والمواقع يغيّر المفاهيم ويبدّل المعايير ويكسبها دلالات نسبية مختلفة... فما تراه الغالبية الساحقة من الناس عدالة في قرار يعود بالنفع على فئات اجتماعية واسعة، قد تراه القلة المتضررة مجافاة للعدالة، وفي المقابل فإنّ ما تعدّه القلة المنتفعة عدلاً بسبب حصولها على مصلحة خاصة، ستجده الغالبية المهمشة من المواطنين إجحافاً ظالماً وغبناً غير مبرر لحقوقها... وهذه طبيعة الأشياء. ولكننا نلحظ في الكويت، أنّ هناك مِنْ يحاول أن يقفز أبعد من ذلك فيروّج أنّ الحسد هو السبب الأول لتعطّل التنمية في البلاد، وهو قول مضلل يردده كثيرون عن حسن نيّة وعن جهل معاً! ولكن الأهم أنّ هؤلاء المُضَلِلين والمُضَلَلين يتجاهلون الأسباب الحقيقية الأعمق لتعطّل التنمية المتمثلة بالأساس في غياب الرؤية التنموية الاستراتيجية لمستقبل الكويت وعدم التوافق عليها... ويتناسون كذلك الأسباب المتمثّلة في تخلي الحكم عن مشروع بناء الدولة الكويتية الحديثة، وفي التقصير الفاضح لواجهته التنفيذية ممثلة في مجلس الوزراء عن إعداد خطة تنموية للبلاد وفق ما يوجبه قانون التخطيط الاقتصادي والاجتماعي، والتأخر المعيب عن تقديم الحكومة “برنامج عملها”، وتدني كفاءة الإدارة السياسية للدولة... وهي أسباب وعوامل موضوعية وذاتية معطّلة للتنمية، ولا صلة لها من قريب أو بعيد بالحسد... وإنما الحسد مجرد ذريعة تقال بهدف طمس تلك الأسباب وبقصد إخفاء العوامل المتسببة فعلاً في تعطيل التنمية، بل بالأحرى، التي أدت إلى انعدام التنمية وغيابها، فهي بالأساس ليست موجودة حتى يتم تعطيلها! ولكننا إذا انسقنا وسلمنا بما يحاولون أن يوهموننا به، وقلنا معهم إنّ الحسد هو معطّل التنمية، فلن تترتب على مثل هذا القول الفارغ أية مسؤولية على أحد، وليس هناك رقيب أو حسيب على الحسد، بينما يختلف الأمر تماماً عندما تتضح أمام جموع المواطنين الأسباب الحقيقية لغياب التنمية في الكويت، لأنّ هناك مسؤولية يجب أن يتحمّلها الطرف المقصّر، الذي يُفتَرَض أنّه يسيطر على مقدرات البلاد ويمتلك ناصية القرار!
عالم اليوم

تعليقات

اكتب تعليقك