ידיעות אחרונות (يديعوت احرونوت) في سوق واجف
عربي و دوليسبتمبر 10, 2009, منتصف الليل 2419 مشاهدات 0
يسمى سوق واقف في الكويت بسوق الحريم، وفي البحرين يسمى سوق الخضار والفواكه بسوق واجف، كما يوجد سوق واقف في دولة الإمارات العربية المتحدة، بالإضافة إلى سوق واقف في قطر. وللأسواق القديمة قدرة على أن تترك وشما حادا في الذاكرة مداده رائحة البهارات والأقمشة والأخشاب، ومهرجان ألوان بين غترة، ووزار وبرقع، وشيلة، وأصوات الباعة يتخللها ذكر الله تضرعا وطلبا للرزق أو قسماً لإقناع مشتر متردد. هذه الصورة ثلاثية الأبعاد بالرائحة والصوت واللون هي صفحة من ذاكرة الخليج العربي النقية، ولا ينقصها كما يرى (بنيامين نتنياهو) إلا أن تعرض في واجهة الدكاكين النسخة العربية من جريدة يديعوت أحرونوت الصهيونية التي لن تتردد في نشر مواقيت الصلاة وحالة الطقس وأسعار صرف العملات الخليجية مقارنة بالشيكل.
التطبيع مع دول الخليج العربي، هو الثمن الذي يريده بنيامين نتنياهو لوقف الضغط الأميركي الرهيب عليه لوقف مصادرة الأراضي وبناء المستوطنات. فقد ذكرت (يديعوت أحرونوت) في منتصف أغسطس 2009م أن كلاً من دولة قطر وسلطنة عُمان يتعرض لضغوط أميركية بهدف القيام بمبادرات تطبيعية، في مقابل تجميد البناء في المستوطنات. وبعد أسبوع من ذلك التاريخ ذكرت الجريدة نفسها أن نتنياهو ينوي أن يطلب أن تمارس الولايات المتحدة ضغوطا على السعودية لتوافق على تنفيذ خطوات تطبيع علاقات مع إسرائيل قبل موافقة الأخيرة على التوصل إلى اتفاق بشأن تجميد أعمال البناء في المستوطنات. وتشمل هذه الخطوات فتح السعودية للقنوات الدبلوماسية مع إسرائيل، وفتح مجالها الجوي للطائرات الإسرائيلية المتوجهة إلى الشرق الأقصى.
من منظور براغماتي صرف وبعيدا عن الوعظية العاطفية وبعد تحررنا من قيود الأيديولوجية والقومية بل والعقيدة إن أرادوا، لا نجد مبررا للتطبيع مع إسرائيل إلا ما تعدنا به الولايات المتحدة من ضمان لكياناتنا الصغيرة أمام خطر الدول الإقليمية الكبرى. وتلك في حد ذاتها وصمة عار ودليل على فشل مؤسسة الحكم في كل بلد خليجي على حدة وفضح لقصورها في القدرة على ضمان أمن بلادها، كما أنها فشل لمجلس التعاون كمنظمة أمن إقليمية، وفشل لجامعة الدول العربية أيضاً.
إن أقدم مسوغات التطبيعيين، وهم ليسوا بقلّة في الخليج العربي، هو أن جمهورية مصر العربية والمملكة الأردنية الهاشمية والسلطة الفلسطينية قد سلكت جميعاً وهي دول المواجهة درب التطبيع. وفي ذلك تجاوز لميزان الربح والخسارة، فقد وفرت مصر أكثر من نصف ميزانيتها الدفاعية بعد معاهدة الصلح مع إسرائيل، ووفر الأردن أكثر من ذلك بكثير وحولها إلى برامج تنموية، بينما لا تعاني دول الخليج ضغط ميزانية الدفاع بسبب المواجهة مع إسرائيل، بل إن رفض التطبيع من قِبَل دول الخليج العربي هو من أهم الأوراق في يد المفاوض السوري، وهذا أحد أسباب استماتة إسرائيل على تحقيقه.
إن تلويح إسرائيل بوقف بناء المستوطنات نظير التطبيع مع دول الخليج العربي إهانة بالغة لتجار محنكين مثلنا تطمع إسرائيل في التعامل معهم، فثمن التطبيع لو سايرناهم في ذلك أغلى بكثير، ولن نكون متشددين لو قلنا إن هتك ستار سرية مفاعل ديمونة النووي وإدخاله في جدول زيارات مفتشي وكالة الطاقة الذرية، ثم تقليم أظافر إسرائيل عبر تجريدها من السلاح النووي وجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل هو الثمن العادل لنا وليس سعرا تفاوضيا فقط.
ولا شك أن الكثير منا يشعر بثقل قيد اليأس في معصمه، فقد فشلنا في الحسم العسكري مع إسرائيل أكثر من مرة، لكن البيئة الأمنية آخذة في التغير بشكل لم يشهده العالم من قبل، وهذا يتطلب إعادة سبر أغوار أمور حسبناها من الثوابت المقدسة، ومنها إن كانت الإمبريالية في خدمة إسرائيل أم أن إسرائيل كانت مرحلة في مسيرة الإمبريالية، وأن التخلي التدريجي عنها أمر وارد. وتفاؤلنا يدعمه أمران، أولهما: الحديث الدارج حول ضرورة تغيير النظام الانتخابي في الولايات المتحدة، وكيف أن الحكومة الأميركية ستتكفل بنفقات الحملات الانتخابية لمرشحي الكونغرس ومنصب الرئاسة، وفي هذا إلغاء لدور لوبي صناع السلاح ولوبي صناع الأدوية والسيارات ولوبي حقوق المرأة وغيرها من جماعات الضغط الأخرى، لكن الأهم هو إلغاء دور لوبي إيباك (American Israeli Public Affairs Committee) الداعم لإسرائيل. أما الأمر الآخر فهو تخلي الدول الكبرى عن أقرب حلفائها من خلال حساب المصالح، ففي العام 1888م استولى سيسل رودس لحساب شركة جنوب إفريقيا البريطانية على ما سُمِّي بروديسيا العنصرية البيضاء، وفي العام 1964م تخلت عنها بريطانيا وعن رئيسها أيان سميث (Ian Smith) الذي قاتل وحيدا من دون فائدة، وحلت محلها زيمبابوي، وفر معظم المستوطنين البيض وانتهت تلك الدولة وكأنها لم تقم.
في ليلة لندنية باردة بعيدة دخلت مع صديق لي مطعماً صغيراً، وطلبنا على عجل نفس الطبق الذي كان يتناوله رجل على الطاولة القريبة منا. لقد كان طعم الأضلاع المشوية ورائحة الصلصة المدخنة شهيا جدا فأكلناها بشراهة. وبعد أسبوع عدنا إلى نفس المطعم مع زميلين آخرين حتى يتذوقا طعم الريش والصلصة المدخنة، لنصعق باكتشاف أننا أكلنا أضلاع خنزير (Pork ribs). فتلاشى الطعم اللذيذ والرائحة الشهية وقفز في خيالنا بديل لها خنزير يخوض في الوحل. وقد تغري بعضنا عروض منتجع إيلات الإسرائيلي على البحر الأحمر، ومنتجات شركة سيسكو (Cisco Systems Inc) لأشباه الموصلات، أو حتى أرقى مستشفيات التجميل والعلاج في تل أبيب، لكن احتفالية رائحة البارود لحظات مقتل الطفل محمد الدرة الذي نقلته وكالة الصحافة الفرنسية، وخطة الهجوم الذي شنته طائرة الأباتشي longbow Apaches على كرسي الشيخ ياسين المتحرك بعد خروجه من صلاة الفجر، كلها ستقفز إلى أذهاننا كما قفز طعم الخنزير الخائض في الوحل إلى أفواهنا.
تعليقات