عامر السعيدي: العيد المنفي

فن وثقافة

الآن 838 مشاهدات 0


يأتي العيد ، وقد يتزيا البعض أثواب الفرح بينما قلوبهم تحرقها نار الحزن والترح، مما يحدث في بلادهم من حروب يذهب ضحيتها شباب في ربيع أعمارهم.

هنا الشاعر اليمني المبدع عامر السعيدي يكتب قصيدة رائعة - ساطعة بدلالاتها المجازية يبدؤها بتوظيف شطر بيت المتنبي الشهير ، بعبر بها عما يختلج في نفوس الكثيرين من أفول مظاهر الفرح بالعيد،
وفداحة النزاع وتبعات الحرب الكارثية على الناس:

(عيدٌ بأية  حالٍ. عدتَّ يا عيدُ )
لا قامةٌ فيك تغريني ولا جيدُ

هذا صباحك يمشي في جنازتهِ
وحول تابوتهِ  أيامُنا  السُّودُ

لا قهوةٌ يشرب الموتى أناقتها
ولا على رأس  قتلانا  أناشيدُ

وهل على هذه الدنيا إذا انطفأتْ
عيناك يومٌ  من الأيام  محمودُ

لم يبتسم عطر أمي وهي طالعةٌ
ولا سعال أبي في البيت موجودُ

يا عيد أين الصباحات التي كَبُرَتْ
بنا  ونحن  صغارٌ  أين يا عيدُ

أين الأغاني التي كانت تحطُّ على
أكتافنا  وعلى  أكتافها العودُ

وأين ما في قُرانا وهي ساهرةٌ
تفكُّ شَعْر الليالي وهو معقودُ

أين النساء اللواتي كل واحدةٍ
عيدٌ بكل جمال الكون ممدودُ

الخارجات من الحناء من شفقٍ
نقوشهنّ   عناقيدٌ   عناقيدُ

الله كم أطفأتنا الريح كم أخذتْ
منّا الحروب  وكم فينا تناهيدُ

فوق القلوب جبالٌ في الهواء دمٌ
وفي الصدى قمرٌ بالموت موعودُ

مالتْ بنا الأرض، ألْقتْ كل  مبتهجٍ
على قفاهُ وظهر الحزن مسنودُ

الواقعيون في أحلامهم  وقعوا
وقام فوق رؤوس الناس عربيدُ

يُمسِّدُ  الزمنُ  المعتلُّ  لحيتهُ
وتحكم  القيمَ المُثلى التقاليدُ

لم يبق من سُكّر الأحلام في وطني
إلا الدموع الكسالى  والمواعيدُ

من ذا سيأخذ مجروحاً إلى غدهِ
وكل حزبٍ إلى ماضيهِ  مشدودُ

يفلسفون خطاهم في الضياع لنا
كأنما  هي  تجريبٌ  وتجريدُ

هم المتاهة هم هذا الرماد وهم
دربٌ بكلّ سيوف الموت مسدودُ

ترى الحجارة في عين المدى دمها
ولا  ترى نفسها  فينا  الأخاديدُ

الشمس  راكعةٌ والنار  جائعةٌ
والناس تابعةٌ  والليل  معبودُ

لحم المصابيح فيهِ الشوك منغرسٌ
والصبح في الخطب العمياء موؤودُ

هذا السطوع الذي في السطح ليس لنا
والسطح في جملة الأعداء معدودُ

لنا بروق  الأماني في الربيع لنا
يومٌ من الدهر في التاريخ مشهودُ

لا تستدير إلى المجهول عاصفةٌ
ولا يعود إلى المهد  المواليدُ

نشكُّ فيما وراء الموت من قلقٍ
فلم يصلنا من الأموات تأكيدُ

بابٌ على الغيب مفتوحٌ وعاليةٌ
فيهِ الظنون كأنّ الباب  موصودُ

ترصّدتني اللّحى في كل قافيةٍ
فقلتُها وأنا كالذئب مرصودُ

يهدِّدون الأغاني وهي هادئةٌ
وهل يهدُّ سماء  الله تهديدُ

دعوا لنا فرحة اللاشيء نزرعها
في المستحيل دعوها يا مناكيدُ

لم يحمل الشمس مغرورٌ على يدهِ
ولم يمت من عيون الناس محسودُ

غداً  نردّ  لهذا  الحب هيبتهُ
فالحب كالحق بالأبطال مردودُ

يا عيد لم ألبس المنفى على جسدي
ولا خلعتُ  بلادي  فيك   يا عيدُ

تعليقات

اكتب تعليقك