د.محمد الرميحي: هل العالم في أيد أمينة؟
مقالات وأخبار أرشيفيةكتب د. محمد الرميحي فبراير 28, 2023, 1:38 م 473 مشاهدات 0
إذا كنت أنا من سيجيب عن السؤال السابق فإني أجيب كلا، كبيرة وقوية. تحيطنا أنظمة في هذا العالم تنقسم تقريباً إلى قسمين، الأولى يمكن إطلاق مفهوم الديموقراطية عليها مع الاختلاف في الدرجة، وأخرى يمكن إطلاق مفهوم الشمولية عليها مع الاختلاف في الدرجة.
ويحتكر كل من تلك الأنظمة ما يمكن أن نطلق عليه تسمية "سياسيين" يديرون تلك البلدان ويحكمون التفاعل في ما بينها. إلا أن أولئك السياسيين في الغالب انتزعت منهم الأخلاق فأصبح بقاؤهم في السلطة هو الأسمى والأكثر أهمية من كل شيء آخر، أهم من التنمية ومن التقدم ومن التصنيع والتسامح والعدل، وحتى أهم من الأمن، أمن الشعوب.
في الجانب الذي تطلق عليه تسمية ديموقراطي، نشاهد العجب من سياسييه، فإن أخذت كمثال رجلاً مثل دونالد ترامب، فهذا الرجل كلما استُمع إليه أصاب المستمع العاقل الرعب من الأفكار التي يحملها، بالنسبة إليه، السلطة ثم السلطة، وقد عسف بديموقراطية قديمة كانت تفخر إلى وقت متأخر بأنها قلعة الديموقراطيات في العالم.
الحقيقة أنها لم تعد كذلك، فذلك الرئيس رفض أن يعترف بنتيجة الانتخابات العامة، بل حشد بعضاً من أنصاره المهووسين لاقتحام مكان كان "مقدساً" للشعب الأميركي، ومحط الكثير من الحسد من مجتمعات أخرى. ليس هو الوحيد، فهناك تيار واسع في المشهد السياسي الأميركي ينبئ بتدهور في القيم الديموقراطية، وفي عدد من الدول الأوروبية يسعى سياسيوها خلف الشعبوية بصرف النظر عن المبادئ، أو حتى عن مصالح قطاعات واسعة من الشعوب الأخرى أو حتى شعوبهم.
على مقلب آخر، نجد أن الأنظمة الشمولية تمتاز بتحكم رجل واحد، أو عدد قليل من الرجال، بكل القرارات الحياتية لبقية الشعب، فهو (أو هم) يقرر ما يجب أو لا يجب أن يفعله الشعب، هو الذي يقرر متى يأخذ بلاده بقضها وقضيضها إلى حروب شعواء.
هذا المرض الشعبوي في مكان والشمولي في مكان آخر، الذي يخرّب الأوطان ويشعل الحروب ويضطهد البشر ويفقر الجموع ويخيف الجماهير، هو مرض العصر.
مرت سنة كاملة على حرب شعواء، وطرفاها يرفضان أن يقولا للعالم كم من أبناء وطنيهما سقط في المعارك، وحدها المقابر في المدن والبلدات، في كلتا الدولتين المتحاربتين التي تشي بنتائج ذلك الجحيم. حتى الآن، فإن المبالغ التي قدمت لأوكرانيا من الغرب تبلغ في المجموع تقريباً مئة مليار دولار (والحبل على الجرار). تصور كم من برامج التنمية مثل هذه الأرقام الفلكية يمكن أن تموّل، ونحن نتحدث فقط عن جانب واحد من التمويل وسنة واحدة من الحرب. وليس أقل من ذلك المبلغ خسره الجانب الآخر من الحرب، روسيا الاتحادية، إن حسبنا العدة والعديد، وأيضاً الخسارة الاقتصادية، من جديد لسنة واحدة فقط.
لا يبدو أن لهذه الحرب نهاية، ما هو مؤكد أنها تركت، وما زالت، في معظم دول العالم، فقراً ومجاعة وبطالة وتضخماً على المستوى العالمي، كما أن صيرورتها يمكن أن تتوسع وقد تشمل العالم، كما يحتمل استخدام أسلحة غير تقليدية في تصور لحسمها، وهو تصور قد يطيح ما حققته الإنسانية منذ فجر التاريخ.
العالم شبه منقسم حيال هذه الحرب، ربما هناك أغلبية شاجبة وأقلية مؤيدة، يتراوح الشجب والتأييد. المؤكد أن الساكت من الدول عن الإدانة ينظر إلى مصالحه، وبعضه يبقى على السياج ينتظر تطور الأمور، وآخرون مصرون على إدانه العدوان غير المبرر وعدم جواز تغيير الحدود بالقوة، وكل الكليشيهات التي تتخم ملفات الأمم المتحدة والمفردات التي تستخدمها.
الغرب يقول للعالم إنه يدافع عن الحريات والشرق يقول للعالم إنه يدافع عن أمن بلاده، ومع سقوط الحرب الأيديولوجية أو اختفائها، والتي كانت تبرر ذلك الانقسام الدولي بين المعسكر الرأسمالي والمعسكر الاشتراكي، إلا أن الحروب استمرت والصراعات تفاقمت، هذه المرة من جديد بين من يقول للعالم إنه يدافع عن الحريات ومن يقول إنه يدافع عن الأوطان.
صلب الاختلاف ذاك هو من يسيطر على العالم ومن يتحكم بالموارد ومن يستطيع أن يغني شعبه على حساب شعوب أخرى. يبدو للمراقب أن العالم تحول إلى غابة فيها حيوانات شرسة تحمل جينات أكثر كثيراً ممّا تحمله الحيوانات، فالأخيرة لا تتقاتل حتى الفناء، أما السياسيون الذين يتحكمون في العالم اليوم فلا بأس عندهم أن يكون القتال حتى الفناء!
ساذج من يعتقد أن العالم تحكمه بعض الحكمة، في الحقيقة العالم تحكمه مجموعة من الحمقى والمغامرين الذين لا يحترمون حتى ما اتفقوا عليه في المؤسسات الدولية كمثل مجلس الأمن، وهناك الملايين من البشر يسيرون كالعميان وراء أولئك الحمقى والمغامرين، ويرددون شعارات تحكمها العصبية واللاعقلانية، وبالتأكيد اللاإنسانية.
تعليقات