فهاد بن جافور شاعر البحر والبر.. بقلم الأديب طلال الرميضي

الأدب الشعبي

772 مشاهدات 0


عرف الشعر النبطي عند الأجداد بالجزيرة العربية بأنه مرأة للمجتمع الخليجي ويصور لنا الحياة القديمة بتفاصيلها وحوادثها وأعلامها ،  وقد وثق الشعراء تاريخ البادية والحاضرة بأبياتهم الشعرية التي اتسمت بالقوة والجزالة و الجمال ، وصور البعض منهم النقلة النوعية الكبيرة التي حدثت في بلدان الخليج العربي بعد ظهور النفط ، ولعل الشاعر القدير فهاد بن مطلق بن جافور العازمي أحد أبرز شعراء جيله في دولة الكويت الذين شهدوا التطور العمراني والحضاري في وطنه وجسد ذلك في قصائده النبطية التي حفظتها الذاكرة الشفهية وسجلتها أقلام المؤرخين في مؤلفاتهم .

الشاعر فهاد بن جافور ولد عام 1917م وعانى اليتم في صغره بعد استشهاد والده في معركة الجهراء عام 1920م التي قاتل ببسالة ضد الأخوان التي حاولت غزو الكويت وتجرعت مرارة الهزيمة والألم أثر صمود أبنائها البواسل وتضحيتهم الكبيرة لوطنهم الغالي ، وكانت ولادته في بيت والده بفريج العوازم حي - الطالع – قرب مسجد عزران الدماك وبعد ذلك انتقل للسكن في منطقة البدع حينا من الزمن وسكن بعدها في منطقة الدمنة التي تغير اسمها عام 1953م إلى السالمية ( نسبة الى الشيخ سالم المبارك طيب الله ثراه ) ، وقرض الشعر في صغره حيث سكن معه ابن عمه الشاعر الكبير فهد بن جافور في منزل واحد ما يقارب 35 عاماً ، وتميز شعره بالجمال والروعة والصدق ، وتنوعت مناسبات أبياته الشعرية فله في الوصف والذكرى والمدح والعتب والهجاء وغيرها من أغراض الشعر.

ويمتز ابن جافور بفن القلطة والمساجلات الشعرية وله باع طويل في هذا الفن لسرعة بديهته وقد تقابل مع عدد من شعراء القلطة البارزين في الكويت والمملكة العربية السعودية .
ومن أبياته المعبرة في زمن          شطف العيش وصعوبته يقول :
يا حصل باليوم عشرين روبيه          وكل يوم مقعدٍ زين وفراشي
وإن ظهرت اقصى مداي الرميثية    والغزال مكيفٍ عنه الاوحاشي
يا كريم تردني عقب هالجيه           أشهد إني ناكل عقب الطراشي
وهقوني بالكلام العريضيه            لو أدل الدرب شرقت منحاشي


وبعد تفجـر الـنفط فـي أرض الكويـت ونعـم أهلهـا بالرخـاء والراحـة والغنـى فيقـول الشاعر فهاد بن جافور هذه القصيدة :
واحــــلالاه يــــا العمــــر الطويــــل      يـــــوم مـــــرت علينـــــا هالغنـــــاه
عقــــب تــــدبير الــــرزق القليــــل        اهتنــــــي بالوناســــــه والحيــــــاه
اشــــهدني مــــن الــــدنيا ذليــــل      المحــــاتي بقلبـــــي مـــــا نـــــساه
ارجي رحمة الهادي الدليل            مالك الملك ما حيّي سواه


وكان ابن جافور من الرجال الغيورين على أوطانهم فعند استقلال الكويت في عام 1961م وقيام الرئيس العراقي عبدالكريم قاسم بتهديد الكويت كان يرحمه الله من المتطوعين في التصدي لهذا العدوان فيقول فيها :
يا الله نبغي منك عانيت مدد         يوم الحرايب دخنن أشعارها
من عز والي العرش ما عنده بحد    عنه اليماني يقصرن  أشبارها
عز الأمير وعز رايات البلد              وعز الصباح إكبارها وصغارها
اللي تعرضهم تعرضه النكد          خسارته ما يرتفع قبارها
الشيخ يأمرنا على الرأي إعتمد       والشعب دون إبلادها وأعمارها  
أبشر بقوم ما يغيب إليها سعد     ترخص بغالي الروح دون إديارها
إليا إستوى حس الفشق مثل البرد  نحمي بلدنا من عدوٍ زارها


وعمل الشاعر فهاد بن جافور في عدة مهن قديمة ، منها ركوبه الغوص سنوات طويلة مع عدة نواخذة أبرزهم محمد بن دعيج وسعود القضيبي ، وقال الكثير من القصائد الرائعة في الغوص تتجاوز العشر ، ومنها هذه الأبيات التي يمدح فيها النوخذة محمد بن دعيج :
نوخذة هب كوسٍ منوةٍ للمعلي       كل ما كان قلبه يشوقه
تو ما صار يالممدوح للعود حلي       إبذل الطيب فينا خل نفعك نذوقه
يا محمد حشى من خوتك ما نملي    خوتك يا عزيز الجار عندي إشفوقه
خل عنا نواخذة التحوس تولي         لين سفط للعبد زين أفوقه


ويقـول الـشاعر فهـاد بـن جـافور فـي مـدح سـنبوك النوخـذة سـعود القضيبي المعروف باسم (مشرف) أثناء ركوبه معه في موسم الغوص :
الحـافظ الله علـى الـسنبوك محـلاه     سـمح الدقالـة عـسى وفقـه يزينـي
يـا زيـن صـدره ويـا محلـى مقفـاه        على الخشب لايـقٍ مـشرف بعينـي
يستاهله من تحوش الطيـب يمنـاه     عينـــا خويـــه بـــشينات الـــسنيني
راعيــه يغــرم لمــشيه يــوم يجــداه      كاســه براســه وخلـــى العـــاذليني
سعود سـايلت عـن جنـسه وجينـاه       الجنس طيب وغيب القلـب زينـي
بالطيـب يـذكر وأنـا دشـيت ويـاه         حيــث إن قلبــي يحــب الطيبينــي
أبــو علــي طيــبٍ والطيــب ملفــاه       وأخـــوانهم بالمراجـــل كـــامليني
أرجي عسى أفوالته بالهير حـصباه     بجـــاه ربـــي وجـــاه المرســـليني


ومن قصائده المعروفة التي قالها أثناء الغوص علـى اللؤلـؤ هـذه القصيدة التي تحتوي على ونة الغواويص وألالامهم في البحر فيقول بها :
يـا ونتــي يــوم الغــواويص قفــو بي      ونـت صـويبٍ جايـدٍ فيـه مـضرابه
يا بن حمـد قلبـي مـن أقـصاه مجـذوبي   القلب تله زين الأوصـاف وأقفابـه
دشيت مـا جيتـه ولا جـاه منـدوبي         لا وهني عقب البطا مـن تحـلا بـه
ترف القدم يجزع ثمر نهده الثوبي        فـي زمـت المجمـول يـا بخـت كـسابه
أسمر عفر عندي عزيزٍ ومرغوبي            القلب لو هو في حلى النوم هذر ابه
لو قلت أبدله عنه مدله ولا توبي         درب الغلا عن غيرهم مغلقٍ بابه


ومن قصائده الجميلة التي يصف فيها مشاعره :
البارحة طار الكرى عن إعيوني          من سبة الهاجوس دمعي كساني
طار طرالي وقف النوم دوني          وعزم علي من الرقاد إيحماني
أمشي دبوبن والفؤاد محزوني         والناس ما تدري عن اللي طواني
مدمن بهامي من تكضم إسنوني     ليا طرتلي غربتي هالزماني
يا سعود شاورت الصديق ونهوني    وعصيتهم يومن ما الله هداني
وادعت حباني وهم وادعوني           وصارت لي الغربة عقايب زماني
يهون كل أمرٍ وهو ما يهوني          فرقا الجماعة والولد والخوالي
أظنهم في غيبتي يحسبوني          دلهت وأنا ذكرهم في لساني
اكتب مكاتيب ولا واصلوني             ومبينٍ في كل خط مكاني
أنا أتحرى خطهم وهجروني            ولا هو حق من الأهل والعواني
واليوم ما نكتب ولا يكتبوني          ترى وعدنا الدايره برمضاني
ولا السنة هذي مجيي إظنوني       نشبت روحي والأمور اتخفاني


تـوفي الشاعر القدير فهاد بن جافور بتـاريخ ٢٠/٢/١٩٨٩م عن عمر يناهز الثانية والسبعين عاماً ، وله من الدواوين الشعرية مؤلفان هما (صـدى الماضـي) صدر عام 1988م و (ديوان الشاعر فهاد بن جافور) صدر عام 1989م يحملان في صفحاتهم عددًا من قـصائده الجميلة وهما من إعداد ابنه الباحث القدير مطلق الجافور، وفي الختام نسأل الله أن يسكن هذا الشاعر الكبير فسيح جناته مع الصديقين والأبرار.

كل الشكر والتقدير للأديب والكاتب طلال الرميضي الأمين العام السابق لرابطة الأدباء الكويتيين على تجاوبه معنا وإثراء هذه المساحة الأدبية بمواضيعه القيّمة والعاكسة للتراث الكويتي الأصيل متمنين دوام التواصل.

المحرر

تعليقات

اكتب تعليقك