داهم القحطاني: وداعاً أيقونة الكويت.. محمد السنعوسي
زاوية الكتابكتب داهم القحطاني نوفمبر 16, 2022, 11:28 م 905 مشاهدات 0
لم يكن محمد السنعوسي، رحمه الله، بالإعلامي التقليدي، فقد كان متميزاً عن أبناء جيله والأجيال التي أعقبته، فقد كان سينمائياً فذاً تخرّج في عاصمة السينما العالمية هوليوود، وكان تلفزيونياً لا يشق له غبار كما يقال، وكان أيضاً رجل ترفيه وسياحة، الأمر الذي جعله من رواد الترفيه والسياحة في الوطن العربي، حيث تولى إدارة شركة المشروعات السياحية في الفترة التي أنجزت فيها مشاريع الترفيه الكبرى كالواجهة البحرية، وشاليهات الخيران.
ورغم اختلافي واختلاف كثيرين معه في كثير من آرائه في عدد من القضايا العامة، فإن الجميع سجل ويسجل وسيسجل له أنه كان أحد أيقونات الكويت في مجالات لم يكن يتوقع أحد أن تبرز فيها الكويت لولا إبداعات السنعوسي رحمه الله.
في الكويت كان الأب الحقيقي للإعلام التلفزيوني الكويتي، وكان الصانع الحقيقي لتلفزيون الكويت، حيث تحول مع السنعوسي عندما تولى إدارته إلى واحد من أهم المحطات التلفزيونية العربية، فالدراما تطورت، والمنوعات عاشت عصرها الذهبي، والموسيقى وجدت أرضاً خصبة، ومن ذلك تشكيل السنعوسي لفرقة التلفزيون باقتراح من الفنان عبدالعزيز المفرج (شادي الخليج)، التي حملت الفن الشعبي الكويتي إلى مدن عالمية عديدة، من ضمنها قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
أما في الدراما، فالكل يشهد للسنعوسي بأنه الراعي الحقيقي للمسلسلات والتمثيليات الكويتية الشهيرة، التي جعلت من الكويت في حقبة السبعينيات والثمانينيات هوليوود الخليج، وإحدى أهم عواصم الفن العربي.
والسنعوسي نفسه كان رجل إعلام ميدانياً، حيث تولى رغم مناصبه القيادية تقديم برامج حوارية ذات صيت كبير سبق فيها عصره، وتميز فيها تلفزيون الكويت عن محطات تلفزيونية عربية كبرى، منها برنامجه الشهير «رسالة» الذي بدأ تقديمه عام 1979.
والجيل الذي عايش تلك الحقبة يتذكّر هذه البرامج، خصوصاً أنها كانت توجّه للمشاهد العادي، وفي قضايا تمسه بشكل مباشر، ومن ذلك الحملة الشهيرة التي قام بها السنعوسي في برنامجه لجمع أكبر عدد من الفئران النرويجية، التي انتشرت في الكويت في تلك الفترة بشكل لا يوصف.
وبالفعل استطاع السنعوسي عبر برنامجه المساهمة في توعية الرأي العام حول كيفية مواجهة هذا الأمر، الذي كان يؤدي إلى انتشار أوبئة عدة.
وفي حقبة التسعينيات قدّم السنعوسي برامج حوارية عديدة لم يكن هناك فيها خط أحمر، وأدت بالفعل إلى معالجة قضايا اجتماعية مهمة، ومن ذلك سلسلة الحلقات التي سجلت في السجن المركزي وشارك فيها سجناء، وأدت إلى إطلاق سراح عدد من هؤلاء السجناء، بعد أن تبرّع كثيرون بدفع الديون المستحقة عليهم وأدت إلى سجنهم.
وسينمائياً كان السنعوسي منتج فيلم «الرسالة»، بالتعاون مع المخرج الشهير مصطفى العقاد، وهو الفيلم الذي قدّم سيرة الرسول ﷺ بصورة عصرية للمشاهد الغربي، ليتعرّف الغرب على معاني السلام والرحمة والتقدم في الدين الإسلامي بدلاً من الصورة النمطية المشوهة والسائدة عن الإسلام والمسلمين والعرب بفعل الصهيونية العالمية.
الفيلم الذي تولى بطولته في النسخة الانكليزية الممثل الشهير انتوني كوين والممثلة إيرين باباس، وفي النسخة العربية الممثل عبدالله غيث والممثلة منى واصف، وعرض للمرة الأولى في لندن 1976، كان أحد الإنجازات الكبرى التي استطاع فيها شاب كويتي يدعى محمد السنعوسي أن يقدّم للعالم عملاً سينمائياً خالداً أبهر فيه كبار صناع السينما، وأوصل من خلاله رسالة الإسلام، وسيرة الرسول ﷺ إلى شرائح من المشاهدين، لم يكن ليتم الوصول إليهم بالطريقة العادية.
وخلال تولي السنعوسي إدارة شركة المشروعات السياحية، أنجزت الدولة أحد أهم مشروعات التنمية، والمتمثلة في الواجهة البحرية، التي أنجزت على مراحل عدة، وتم عبرها تحويل الكويت إلى بلد سياحي حقيقي كان ومازال قبلة للسياح الخليجيين.
كما أنجز السنعوسي في عهده مشروع متنزه الخيران، الذي كان يعتبر في حينه مشروعاً متقدماً على كل دول المنطقة، وكان بالفعل أيقونة كويتية شكلت جزءاً مهماً من ذاكرة الكويتيين لسنوات طويلة.
وحين غادر المنصب قدّم مشاريع سياحية خاصة ناجحة، من ضمنها مركز شوبيز في السالمية المغلق حالياً، الذي لا يزال كثير من الشباب الكويتي يحمل ذكريات لا تنسى عنه، كما نجح السنعوسي في تأسيس منتجع سليل الجهراء الحديث في منطقة نائية تحولت بعدها لتكون وجهة سياحية تتضمن فندقاً حديثاً وأسواقاً حديثة ومراكز ترفيه أسعدت أهالي الجهراء.
صحيح أن السنعوسي خاض معارك سياسية ضد تيارات سياسية ومجتمعية وشخصيات مختلفة، وكان حاداً في عباراته، وصحيح أن تجربته السياسية كوزير إعلام لم تكن موفقة حسب رأي كثيرين، وتعرّض فيها لانتقادات عديدة انتهت باستقالته، لكن هذا لا ينقص من قدره، فقد كان بالفعل أيقونة كويتية لا تنسى، وسيبقى هذا الاسم طويلاً في ذاكرة الكويت.
رحم الله محمد ناصر السنعوسي رحمة واسعة.
تعليقات