فالح بن طفلة: قلبٌ أضاء بجرحه
فن وثقافةالآن نوفمبر 13, 2022, 11:21 م 1098 مشاهدات 0
"يظنون أني قد كتبتُ ليطربوا
وما علموا أني كتبتُ من الأسى"
تعبٌ يتلمس مرايا النهاية ، ورحلة ٌ في طريق المجهول، وفكرةٌ تتنفس وهج الكلمات، وبوحٌ يتوكأ على كتف الألم ،
تلك هي الكتابة الجادة عملٌ ذهنيٌّ متخم القلق ،وأن رآها البعض سياحةً على الورق .
الشاعر الرائع فالح بن طفلة من أهم شعراء الفصحى الشباب ، يصافح متابعي هذه المساحة الشعرية بقصيدة ممطرة بألقها التعبيري ومثمرة بنسقها التصويري:
سأجعل من جرحي نشيداً مقدسا
وأعزفه وجداً..إذا الليل عسعسا..
:
أنا شاعرٌ لا ينكر الدمع صحبتي
فكم كنت للحرف الشجيِّ مهندسا
:
أنفِّس عن جرحي العميق بأحرفي
فهل أخطأ البركان حين تنـفسا؟!
:
تعبتُ من القراء في كل صفحةٍ
يقولون هات الشعر واكتب لنأنسا
:
يظنون أني قد كتبتُ ليطربوا
وما علموا أني كتبتُ من الأسى
:
أنادِم وحدي في الظلام مواجعي
وأغرفُ من خمر التباريح أكؤسا
:
تمر الثواني كالطعون بمهجتي
فما كان أقساها عليَّ وأشرسا
:
وأصبِحُ لا البُشرى تلوح لناظري
ولا الهم يفنى..بل يزيد تكدُّسا
:
فألقى جميع الناس والذهن شاردٌ
وقد هدني الحزن الطويل وأخرَسا
:
ومازال بعض الناس يؤذي مشاعري
ومازلتُ أُهدي اللطف آساً ونرجسا
:
أحمِّل نفسي فوق طاقة حِملها
وأرعى..على حزني قلوباً وأنفسا
:
فوجهي ربيعيُّ الملامح باسمٌ..
ولكن أحشائي تُحاكي أغسطسا
:
يحيط بروحي اليأس من كل جانبٍ
ولا أملٌ يدنو سناهُ لأقبِسا..
:
وإنْ ضاق صدر المرء مما يحسهُ
تراءت له الدنيا الفسيحةُ محبسا
:
كأن ارتياح البال من غير ملتي
فإن هو لاقاني يصد توجُّسا
:
وليس الذي يُرضي طموحي بواصلٍ
وليس بمقطوع الرجاء فأيأسا
:
ولو أن ليتاً أو عسى ستريحني
لقلتُ وما قصَّرتُ في ليت أو عسى
:
ولكـنَّـه أمـرٌ علـيَّ مـغيَّـبٌ..
أظل طوال الوقت فيه موسوسا
:
فيا أيها الهم الثقيل ترفُّقاً
فقد كاد ظهري منك أن يتقوسا
:
ويا أيها الساعي وراء طموحه
لقد حصحص الحق المُبين وأشمسا..
:
عتابكَ للدنيا الدنية ضائعٌ
أيجدرُ عقلاً أن تعاتب مومسا؟!
:
تماسكْ ولا تُبدِ انكساراً فإنني
عهدتك تسمو..عزةً وتغطرسا
:
يشدُّكَ للعلياء مجدٌ ورثتَهُ
تُعانِقُ فيه الفخرَ رأساً ومعِطسا
:
فإنك من قومٍ كرامٍ أعزةٍ
يعافون أثواب المذلة ملبَسا
:
على نهجهم ترقى بخطوة واثقٍ
ونفسٍ -على الأرزاء- تأبى التدنسا
:
ولا تحسبن الدهر آذاك إنما
أذى الدهر يهدي خبرةً وتمرُّسا
:
ولِلْهَمِّ فضلٌ حين أوقدَ هِمَّةً
تساميتَ فيها للسماكَيْنِ مجلسا
:
وإنَّ جراح الحُرِّ نورٌ لقلبهِ
تهذِّبهُ حتى يجيدَ التفرُّسا
:
ومازال هذا العيشُ يقسو ولم تزل
تلاقيه بالصبر الجميل إذا قسا
:
يعزيك عن آلام دنياكَ كلِّها
فؤادٌ على عزم الرجال تأسسا
:
ويغنيك باب الله عن باب غيرهِ..
ومن كان يرجو الله ما عاد مفلسا
تعليقات