فالح بن طفلة: قلبٌ أضاء بجرحه

فن وثقافة

الآن 1078 مشاهدات 0


‏"يظنون أني قد كتبتُ ليطربوا
‏وما علموا أني كتبتُ من الأسى"

تعبٌ يتلمس مرايا النهاية ، ورحلة ٌ في طريق المجهول، وفكرةٌ تتنفس وهج الكلمات، وبوحٌ يتوكأ على كتف الألم ،
تلك هي الكتابة الجادة عملٌ ذهنيٌّ متخم القلق ،وأن رآها البعض سياحةً  على الورق .

الشاعر الرائع فالح بن طفلة من أهم شعراء الفصحى الشباب ، يصافح متابعي هذه المساحة الشعرية بقصيدة ممطرة بألقها التعبيري ومثمرة بنسقها التصويري:

سأجعل من جرحي نشيداً مقدسا
‏وأعزفه وجداً..إذا الليل عسعسا..
‏:
‏أنا شاعرٌ لا ينكر الدمع صحبتي
‏فكم كنت للحرف الشجيِّ مهندسا
‏:
‏أنفِّس عن جرحي العميق بأحرفي
‏فهل أخطأ البركان حين تنـفسا؟!
‏:
‏تعبتُ من القراء في كل صفحةٍ
‏يقولون هات الشعر واكتب لنأنسا
‏:
‏يظنون أني قد كتبتُ ليطربوا
‏وما علموا أني كتبتُ من الأسى
‏:
‏أنادِم وحدي في الظلام مواجعي
‏وأغرفُ من خمر التباريح أكؤسا
‏:
‏تمر الثواني كالطعون بمهجتي
‏فما كان أقساها عليَّ وأشرسا
‏:
‏وأصبِحُ لا البُشرى تلوح لناظري
‏ولا الهم يفنى..بل يزيد تكدُّسا
‏:
‏فألقى جميع الناس والذهن شاردٌ
‏وقد هدني الحزن الطويل وأخرَسا
‏:
‏ومازال بعض الناس يؤذي مشاعري
‏ومازلتُ أُهدي اللطف آساً ونرجسا
‏:
‏أحمِّل نفسي فوق طاقة حِملها
‏وأرعى..على حزني قلوباً وأنفسا
‏:
‏فوجهي ربيعيُّ الملامح باسمٌ..
‏ولكن أحشائي تُحاكي أغسطسا
‏:
‏يحيط بروحي اليأس من كل جانبٍ
‏ولا  أملٌ  يدنو  سناهُ  لأقبِسا..
‏:
‏وإنْ ضاق صدر المرء مما يحسهُ
‏تراءت له الدنيا الفسيحةُ محبسا
‏:
‏كأن ارتياح البال من غير ملتي
‏فإن هو  لاقاني  يصد  توجُّسا
‏:
‏وليس الذي يُرضي طموحي بواصلٍ
‏وليس  بمقطوع  الرجاء  فأيأسا
‏:
‏ولو أن ليتاً أو عسى ستريحني
‏لقلتُ وما قصَّرتُ في ليت أو عسى
‏:
‏ولكـنَّـه  أمـرٌ  علـيَّ  مـغيَّـبٌ..
‏أظل طوال الوقت فيه موسوسا
‏:
‏فيا  أيها  الهم  الثقيل  ترفُّقاً
‏فقد كاد ظهري منك أن يتقوسا
‏:
‏ويا أيها  الساعي  وراء  طموحه
‏لقد حصحص الحق المُبين وأشمسا..
‏:
‏عتابكَ  للدنيا  الدنية  ضائعٌ
‏أيجدرُ عقلاً أن تعاتب مومسا؟!
‏:
‏تماسكْ ولا تُبدِ انكساراً فإنني
‏عهدتك تسمو..عزةً وتغطرسا
‏:
‏يشدُّكَ للعلياء  مجدٌ  ورثتَهُ
‏تُعانِقُ فيه الفخرَ رأساً ومعِطسا
‏:
‏فإنك  من  قومٍ  كرامٍ  أعزةٍ
‏يعافون أثواب المذلة ملبَسا
‏:
‏على نهجهم ترقى بخطوة واثقٍ
‏ونفسٍ -على الأرزاء- تأبى التدنسا
‏:
‏ولا تحسبن الدهر  آذاك  إنما
‏أذى الدهر يهدي خبرةً وتمرُّسا
‏:
‏ولِلْهَمِّ فضلٌ  حين أوقدَ  هِمَّةً
‏تساميتَ فيها للسماكَيْنِ مجلسا
‏:
‏وإنَّ  جراح  الحُرِّ  نورٌ  لقلبهِ
‏تهذِّبهُ  حتى  يجيدَ  التفرُّسا
‏:
‏ومازال هذا العيشُ يقسو ولم تزل
‏تلاقيه بالصبر الجميل إذا قسا
‏:
‏يعزيك عن آلام  دنياكَ  كلِّها
‏فؤادٌ على عزم الرجال تأسسا
‏:
‏ويغنيك باب الله عن باب غيرهِ..
‏ومن كان يرجو الله ما عاد مفلسا

تعليقات

اكتب تعليقك