تفاصيل الأشياء في شعر ناصر القحطاني "سالفة عمري" نموذجاً
الأدب الشعبيرجا القحطاني نوفمبر 6, 2022, 10:15 م 1397 مشاهدات 0
كتب رجا القحطاني
الشاعر السعودي الكبير ناصر القحطاني شاعر مغاير بكل ماتحمله هذه الكلمة من ضوء ،ومن أهم الأسماء الشعرية التي نقلت الشعر الشعبي من الأسلوب التعبيري المتطلع إلى محاولات التجديد في مطلع التسعينيات الماضية إلى الأسلوب التجديدي الحقيقي، بما تتضمنه قصائده من فرادة الفكرة وإبداعية التصوير ، وأناقة العبارة ،
وفي رأيي لاتجد في قصيدته بيتاً يقل وهجاً عن الأبيات التي سبقته أو التي تليه، ولا تفلت منه وحدة النص مثلما يحدث مع الكثير من الشعراء المشهورين .
ناصر القحطاني لقّبه محبوه ومتابعوه بشاعر الأندلس ،وكان جديراً بهذا اللقب بعد ألقى قصيدته الرائعة في جنبات قصر الحمراء بغرناطة في أسبانيا عام 1997 ،وقد أشاد بها الملك سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض في ذلك الوقت،
وكانت لتلك القصيدة الأندلسية أصداء واسعة لدى عشاق الشعر ، ومنها:
على الحمرا السلام وكل حيٍّ يذكر أمجاده
وانا تاريخي أمجاد وبراهيني مجوّدها
قصيدة شعرنا الشعبي عروس بتاج وقْلاده
سفيرة لهجةٍ طلت على الدنيا قصايدها
على البال ابن زيدون وغراميات ولاده
وسواليفٍ لابن رشد اتذكرها وارددها
ناصر القحطاني مالك قنوات الساحة ذات الاهتمام بالأدب الشعبي والمشرف على جائزة الملك عبدالعزيز للأدب الشعبي.
لم تقتصر مضامين قصائده على أطر موضوعية محددة ، بل تمتد إلى آفاق أوسع تشمل التعبير عن الذات، وتناول فلسفة الحياة . ومواكبة الأحداث ،ورثاء أعلام الأمة، وغيرها ، ولا يقلّ إبداعه توهجاً في الشعر العاطفي، بل أنه في شعره الوجداني يمتاز عن سواه من الشعراء بالابتعاد عن الأسلوب النمطي في التعبير عن المعاناة ، والتمحور البكائي في بث الشكوى، فهو في قصيدته العاطفية المطولة يشعر القارئ أو هكذا أظن أنه تنبسط أمامه مساحات شاسعة من انسيابية البوح الشعري الراقي لتتوالد الصور تلو الصور وكأنها مشاهد سينمائية مشوّقة لاتُشتهى لها نهاية ،فضلاً عن اهتمامه بتفاصيل الأشياء المتعلقة بكينونة القصيدة، إذ أن إيراد التفاصيل في إطار الإتقان الشعري يفضى إلى استيعاب أكثر لكينونة المكان أو عمق الموقف في النص الشعري،
وللتعرف على هذه الخاصية في شعر ناصر القحطاني ننشر رائعته التي تحمل عنوان "سالفة عمري" متمنين له استمرارية التألق:
مسا الخيرات وان طال البطا يا المنزل المهجور
ترى ما ابطا بي إلا حالةٍ مثلك يقدّرها
إذا عندك عتب لا مانع مْن معاتب المذكور
وإذا عز الرضا تفداك الأعذار ومقابرها
أنا اللي جيت لك والريح تعوي والشتا مسعور
ولابه من دفا والمربعانية باواخرها
تغير وانطبع دربك بلون المسك والكافور
وهذي رعشة كْفوفي ولا به من يدثرها
بعد ماكنت اجي بابك بدستور وبلا دستور
ولا ادري إلا وذيك الدرفة اليمنى على آخرها
طموحي عارضته اللي معاها كل شي يْبور
وجا كسر الطموح أهون عليّ من كسر خاطرها
سنة ما اقبل نذير الشيب كانت بأول الطابور
وكنت أحلامها ذيك السنه وأول سرايرها
لقت قدامها فوضى وقلب وشاعر وجمهور
وجات ورتبتني من جديد وصرت شاعرها
بغيت اسري لها لاهمني وحشه ولا ديجور
أشيل أحلامنا تحت النجوم وهي تفسرها
سقا الله يوم جابت لي قبل يومين من"عاشور"
هذاك العسجد اللي جابه الله من عشايرها
غلاها كان تحويشة عمر بشْعور فوق شعور
ايلين اكتظت الأشواق والهاني تكاثرها
ربت ماهي تحت ريشة نعام وفي بلاط قْصور
ولكن لاترَف له قيمة إلا تحت أوامرها
يحَمْلِن أمهات البيض تسع شهور تسع شْهور
على رجوى بشايرها ولا لاحت بشايرها
تقل بدر ولابايّات بدر تْقول بدر بْدور
ولا بايّات بدر بْدور يعني ما انت خابرها
لو استقصوك عنها ما انت محتاج لشهادة زور
تحت سقفك سحايب ملحها وأمواج سكّرها
ما ارقّ المتحف اللي من ورا ضلوعك فدتك الدور
وانا ما اقوى نظر مافيه بعد غياب ناظرها
حديقة بيت اهلها..سورها العالي..حمام السور
زخارف بابها..شباك غرفتها..ستايرها
ورق جدرانها..سجادها..تقسيمة الديكور
خزاينها..هداياها..رسايلها.. خواطرها
تحفها..مزهريتها..قصصها.. شعرها المكسور
صورها..مكتبتها اقلامها..لمة دفاترها
زمام السيف..شال الليل..حنا الكف..كحل الحور
حلقها..عطرها..فستانها الابيض..جواهرها
مرايتها..فصوص الساعه البيضا أم خمس سيور
خواتمها..قلايد جيدها.. نقشات أساورها
ملابسها..بروق الوانها..دولابها الممطور
من أزرقها إلى أحمرها إلى أخضرها إلى أصفرها
نسانيس الهوى اللي يرتشف يشمومها المنثور
صخيفات المناديل اللي احتضنت عبايرها
مصابيح المكان اللي خذا منْه النهار النور
سنون أمشاطها اللي ما نست عشرة ظفايرها
بطاقات ٍ يطرزها صغارٍ يحملون زْهور
رحيل " الدبلة " اللي ماتهنت في خناصرها
زوايا كنها بلّور في بلور في بلور
مسا رزنامةٍ غاب الحرير اللي يغيرها
وش أقول ل يتاماها الكثير الممتلين كْسور
وانا أشياها تحاصرني واحسب إني محاصرها
بكيت وصارت الدنيا قفص واستوحش العصفور
ضحكتْ وملّت شْبوك القفص من كذب طايرها
عرفت شلون الأرض تدور وأيام الزمان تْدور
والأعيان إن صفت كيف ومتى تذبح محاجرها
ومتى تصير القبور بيوت وتصير البيوت قْبور
وكيف الذكريات يذوب ماضيها بحاضرها
على الله..وانت أبيك المتحف اللي للعرب معذور
الى جتْك العيون وصدّت أبوابك نواظرها
تمر أجيال وتصدّر سواليف وتعيش عْصور
وتروي سالفة عمري من أولها الى آخرها
تعليقات