سعاد فهد المعجل: «الظواهر السلبية».. الزمن ليس زمنهم

زاوية الكتاب

كتب سعاد فهد المعجل 325 مشاهدات 0


الاختلاف الذي عبّر عنه البعض تجاه مقترحات وتوصيات اللجنة لا يَتَعلّق بحقهم في التعبير عن تلك المقترحات، ولا عن حقهم في تشكيل اللجنة، وإنما عن انسجام ما وَرَد في مطالبهم مع سلوك وتصرفات بعض من هم في اللجنة، وعما اذا ما كانت حادثة استخدام الحذاء في الحوار مع زملاء في قاعة عبدالله السالم، وهو ما قام به أحد أعضاء اللجنة، حين قذف بحذائه باتجاه أحد النواب في أسلوب بعيد جداً عن شروط الحوار الرزين، وأقرب ما يكون للظواهر السلبية مُجتمعة. نقول عما إذا كان مثل هذا السلوك من النائب الفاضل عضو لجنة القِيَم سيُدرَج تحت بنود الظواهر السلبية أم لا؟
 
رئيس لجنة الظواهر السلبية الفاضل ذَكَرَ أن هناك قوانين رادعة سَتُقَدّم قريباً لكل من تسوّل له نفسه الانحراف والفساد الأخلاقي، وهو بالمناسبة مشروع جميل، لكنه يَشتَرِط أولاً تعريفاً وتحديداً للانحراف والفساد الأخلاقي، لأن المشكلة مع تيارات الإسلام السياسي، سواء من هم في اللجنة أو خارجها، أنهم غالباً ما يختصرون الأخلاق والقيم والفساد والانحراف في أمور شكلية بحتة لا تتعدّى الاختلاط والتبرّج والحجاب، حتى إننا لم نسمع في الغالب عن معارك قادها تيار الإسلام السياسي ضد قضايا الاستيلاء على المال العام، أو الفساد الإداري أو الرشوة أو الغش في العمل أو التعليم، ولم يتعرّض أغلبهم لتجاوزات في وزارة الأوقاف مثلاً وبعض المساجد واللجان الخيرية، أو للمحسوبية التي تُمارسها في جهات معنية بالزكاة، ولم نسمع منهم في تناولهم لمسألة الأخلاق والقِيَم إلا ما يتعلّق بالمرأة وأساليب قمعها وتهميشها، خاصة بعد انتهاء فترة الانتخابات، بالإضافة إلى ما يعبّرون عنه في خطابهم من خشيتهم على الأجيال من خطيئة اختلاط الجنسين، والارتداد عن شروط اللباس الإسلامي الصحيح، حتى وإن كان التبرّج فيه طاغياً على تبرّج السافرات، وهو ما أصبحنا نراه من انحراف واضح في مفهوم «درء الفتنة»، الذي يُفتَرَض أن يكون أساس فكرة الحجاب، حيث يرتَفع منسوب الفتنة والتبرّج عند بعض المحجبات ليتجاوز السافرات في أحيان كثيرة.

مشروع لجنة الظواهر السلبية يواجه معضلتين، الأولى لغوية بحتة تتعلّق بوضع تعريف واضح ومُحدّد للانحراف. فالانحراف وفقاً لعلماء الاجتماع هو وصف للأفعال أو السلوكيات التي تَخرق أو تنتهك المعايير الاجتماعية، إلا أن هؤلاء العلماء يَذكرون كذلك أن انتهاك تلك المعايير ليس بالضرورة أن يكون سلبياً بالمُطلق، فهو أحياناً إيجابي، فها هو غاليليو على سبيل المثال يَنحَرف عن معايير وقوانين الكنيسة الكاثوليكية، ليُخلّده التاريخ كأكبر المُدافعين عن مبدأ مركزية الشمس ودوران الأرض حولها، كذلك تمرّد «أينشتاين» على الأفكار القديمة السائدة، وطَرَحَ أفكاراً تَوصّل من خلالها الى النظرية النسبية التي نَتَمَتّع اليوم بكل ما أتت به من أجهزة تواصل وخدمات تجوال براً وبحراً وجواً.

من حق أعضاء لجنة القِيَم ومعالجة الظواهر السلبية أن يدعوا الى ما دعوا إليه، فالدستور ينص على أن حرية الرأي والتعبير حق يمارسه الجميع، كما أن الديموقراطية في عنوانها العريض تعني أن الساحة السياسية مفتوحة لكل التوجهات، ولكافة الأمزجة والتيارات السياسية على تباينها.
أما المعضلة الثانية التي تواجهها لجنة الظواهر السلبية، فهي أن الزمن اليوم ليس زمنها، وأن المقترحات والمشاريع التي لا تواكب حركة الزمن والتكنولوجيا اليوم لا يمكن أن تُثري الرؤى أو تُحقّق الأهداف، فالمناخ العالمي والإقليمي السائد اليوم يسير قطعاً بعكس طروحاتهم تماماً، وعلى الرغم من أن تيارات الإسلام السياسي قد تحكّمت بالمنطقة لأكثر من أربعة عقود حتى أصبحت سلطة، فإنها لم تطوّر تلك السلطة الى معرفة وخطة طريق، بدليل الفشل الذريع للإخوان مثلاً في قيادة مصر إبان حقبة الرئيس السابق محمد مرسي.

الزمن ليس زمنهم، لأن عصر العلم والتكنولوجيا فَتَحَ مئات الأسئلة التي لم يعد بإمكانهم الإجابة عليها، وإذا كان الإسلام السياسي قد تمكّن من السيطرة على عقول الشباب منذ سبعينيات القرن الماضي، فإن شباب الألفية اليوم هم من زمن مختلف لا تحمل شيفرته أي من تيارات الإسلام السياسي، سواء في الكويت أو في أي بقعة أخرى من العالم الإسلامي.

المُثير في الأمر أن تصريحات لجنة الظواهر السلبية قد وَرَدَت في الصحف جنباً إلى جنب مع مطالب لنواب شباب قدّموا اقتراحات تنظيمية وتنموية وبرلمانية تَمس الواقع اليوم والزمن الراهن، مما جعل من مطالب أعضاء لجنة الظواهر السلبية أشبه بالصدى القادم من قاع الزمن والتاريخ، لذلك تصح عبارة أن الزمن ليس بزمنهم، وأن حركته كفيلة بالردّ على مطالبهم.

تعليقات

اكتب تعليقك