في أمسية نظمتها رابطة الأدباء.. الحجايا وبن طفلة والحربي يضيئون سماء الشعر
فن وثقافةأكتوبر 24, 2022, 11:09 م 1536 مشاهدات 0
كتب - رجا القحطاني:
هي أمسية شعرية ناجحة بتنوع قصائدها وتناغم شعرائها، احتضنها مسرح سعاد الصباح في رابطة الأدباء الكويتيين مساء أمس الأحد، أحياها ثلة من الشعراء المبدعين وهم من الكويت د.فالح بن طفلة العجمي ، ود.مشعل الحربي. ومن الأردن د. عطا الله الحجايا.وأدار الأمسية أ. محمد ناصر البراك ،وقد تناوب الشعراء في إلقاء قصائدهم التي جاءت متنوعة في مضامينها ، وخاصة الجانب الإنساني والوجداني .
في مستهل الأمسية كان صوت الأردن حاضراً من خلال الشاعر عطا الله الحجايا الذي حلّق شعراً وقدّم عدداً من القصائد المتوهجة وأحسن الحجايا في اختيار نصوصه وامتاز بإلقائه الشعري الجميل وتماهيه مع أجواء القصيدة انفعاليًّا.
قرأ قصيدة "الزلزلة" وهي محتشدة بقوة التعبير وجمال التصوير ،تناول فيها علاقة الشاعر بالنداء الشعري حين يزجي قوافله الرؤيوية في مسار اللحظة المباغتة:
لايفـــهمُ الإيقـــــــــــاعَ إلا شـــاعرٌ
يُطوى له المعنى بريــحٍ مـرسلــةْ
يمشى المجازُ على خــلاف مزاجِه
وتجيــئُه رســلُ الكــــلام مــؤِّولــهْ
فكــــأنه هـــــاروتُ ينفـــثُ سحرَه
حـــين استبـــدّ به الغــــرامُ فأنزلهْ
إلى أن تشير بوصلة الشعر ملحَّةً ، نحو مشارف الوطن :
يشكــو إلى وطن توارثَ طــينَه
من لم يعمّـرْ في البيــــــادرِ "سلسلةْ"
من لم يعــانقْ في الهجـيرِ ترابَه
.من ليس يـزرعُ في المواسم سنبلةْ
"لم يصلبوه" على اليقــين وإنما
صلبوا الطريقَ فكلُّ دربٍ "جُلجلَةْ"
وفي قصيدته الجميلة جدًّا "غربة" مايزال البوح الشعري متدثرا بذكريات الأمس المسكونة بحنين لاينضب إلى وطن غالٍ يومئ إليه بوشوشات الطفولة :
تعلّـــقت فيـــــه من خمسيــــن غربته
فــــإن تشهّى فـراق الحزن لم يطقِ
شوك ٌعلى الـــرّمل مذ داست طفولته ترابَها واستبــــدّ الـــــّرمل بـــالحـــدَقِ
منــهااستعارت لـــه الأيـــام سمـــرته قبــــات والحــــــرةَ السمراءَ في نسقِ
يشكل الطين والأعوادُ تثقبه
فإن غشاه بها سُمّاره يُفِقِ
كما ألقى د. عطا الله الحجايا قصائد أخرى لاتقلٌّ بهاءً وألقاً مثل قصيدة "البئر".
وينتقل صولجان الشعر إلى الشاعر فالح بن طفلة الذي تألق في الأمسية من خلال قصائده التي اختارها بعناية ،
ألقى مجموعة من النصوص تحمل عنواناً واحداً "من تجارب الحياة" باعتبار أن التجربة الحياتية لاتقتصر على زمنية العمر وإنما تعتمد على حدوث التجربة فحسب، فكانت نصوصاً مختصرة حافلة بالرؤى الواقعية لكن في أسلوب شعري بهيٍّ وانسيابيّ،وفي تجاهل ثرثرة الناس لضمان راحة الإحساس يقول :
دع ما يقول الناسُ عنكَ جهالةً
إن الذي يصغي إليهم يتعبُ
فالناس مهما كنت فيهم كاملاً
نسجوا لك العيب القبيح وعيَّبوا
حتى رسول الله لم يسلم فكم
جاروا عليه وحاربوهُ وكذَّبوا
وفي نص آخر يتمسك الشاعر بعزة النفس ، مهما تكن المغريات، وبالانتصار للمبدأ ضد الفرص المشتهاة:
ما كلُّ روضٍ أشتهي زَهْرَهْ
أو كلُّ مُزْنٍ أرتجي قَطْرَهْ..
بالذُلِّ لاأجني المُنى أبداً..
نفسي..تعافُ الذلَّ بالفطرَهْ
يا قلبُ لا تحزن على فُرَصٍ
فاتت..ولا تذبُلْ من الحسرَهْ
فالحـر من يحـيا لمبدئهِ..
والعبدُ عبدُ المالِ والشُّهرَهْ
كما قرأ قصيدة مليئة بالحس الإنساني لامست قلوب الحضور كتبها الشاعر وفاءً لإنسانة يرى أنها أمٌّ
تفيض رحمةً وحناناً وإيثارا:
لم تكوني لي عمَّةً دون فعلٍ
كنتِ أمِّي..وكنتِ أعظمَ عمَّهْ
طبعكِ العذب كم رعاني صغيراً
وكساني…من الأمان أتَمَّهْ
يا رضى قلب "فالحٍ"حين يبكي
والدموع الغزارُ تملأُ كمَّهْ
كل عطفٍ مضى وكل حنانٍ
أكسبَ اليوم نبضَ قلبيَ هِمَّهْ..
كما قرأ فالح بن طفلة قصائد أخرى لاتقلّ إشراقاً وجمالاً مثل زهيرتين فصيحتين ،وهما من قبيل المزج بين البحر العامي والمضمون الفصيح، وقصيدة "حب في سراييفو" وغيرها.
وكان ختام الشعر مسكاً مع الشاعر مشعل الحربي الذي أبدع في هذه الأمسية بما قدمه من قصائد إنسانية ووجدانية تتشح باللغة المشرقة والعبارات المغدقة،
بدأها بإزجاء قوارب الشجا والأحلام في نهر الغرام:
أنا الشجيِّ الذي في اللحن مولده
شقيت باللحن لا أُشقي به أحدا
إن غبت بالصب كانت وجهةً قِبلي
وكلّ وجدٍ على أطيافها وجدا
يا حسن يوسف في أحزان والده
ومكر أخوته وكيد من فئدا
آمنتُ في روعةِ التصويرِ أبدعها
وتهتُ في الحسنِ توحيداً ومتحدا
وفي بوح وجداني ممطر تتسم كلماته بموسيقي منسابة ،ولقطة شعرية خلّابة :
وكم ناديتُها بالصبر نفسي
إذا لمسَت بأنفاسي حنينا
وما مثل الحنين يتيه سلوى
وقد أرسى بيَ الجرحَ الدفينا
أراوغُ بالتسلي فيَّ حتّى
رأيتُ الصبرَ للسلوى مدينا
وفي قصيدة مؤثرة ألهبت قلوب الحاضرين يعبّر الشاعر عن اعترافه بالجميل ،وخضوعه النبيل لأغلى إنسان، ذلك الذي يعطي ولاينتظر جزاءً ، ويضحّي ولايترقب ثناءً، هو الأب:
يا راعيا قبل خطوي خطوتي الأولى
تأبى المروءةُ أن تلقاك مشلولا
لما تدثرت فيها كنت مسكنها
وكنت شاغلها بالعز مفتولا
كم بتّ تحملها إذ عزّ حاملها
فظَلْتَ في فلك الأذهان محمولا
ودمت تحفظها مما يدنسها
حتى غدت مثل رأي الحرّ مأمولا
أرسلت بارقها من كفّ وابلها
وراح كلّ نقي فيك متبولا
وقرأ مشعل الحربي نصوصاً أخرى لاتقلّ
بهاءً وتمكناً ، وتميز بجمال الإلقاء أيضا.
كانت أمسية الرابطة ناجحة شعراً وتنظيما ،إذ نالت قصائد الشعراء استحسان الجمهور وتفاعله.
وفي ختام الأمسية تم تقديم دروعاً تذكارية تقديراً للشعراء قدمها إليهم عضوا مجلس إدارة الرابطة أ. أمل العبدالله ، و د.محمد حمود البغيلي.
تكريم مشعل الحربي
تكريم عطا الله الحجايا
تكريم فالح بن طفلة
مدير الأمسية محمد البراك
تعليقات