سعاد فهد المعجل: أزمة 1964.. كلاكيت ثاني مرة
زاوية الكتابكتب سعاد فهد المعجل أكتوبر 11, 2022, 10:55 م 477 مشاهدات 0
شَبّه البعض أزمة التشكيل الحكومي الراهنة بما حدث في أول أزمة دستورية تشهدها الكويت في بداية عهدها الدستوري، وقد تمثّلت الأزمة آنذاك في عدم تمكين الحكومة، التي تشكّلت في 6 ديسمبر عام 1964، من تأدية القسَم الدستوري أمام مجلس الأمة بعد أن أدّته أمام الأمير.
بحسب كتاب صادر للسيد يوسف السيد هاشم الرفاعي بعنوان «الأزمة الدستورية الأولى لحياة مجلس الأمة»، يُشير فيه الى أن تلك الأزمة كانت صراعًا بين التجار والشيوخ، واستطاعت الحكومة آنذاك أن تكسر سيطرتهم على مراكز القوة. تقول المصادر إن سبب الأزمة كان تطبيق المادة الـ131 من الدستور على الوزراء، التي تنص على أنه لا يجوز للوزير أثناء تولّيه الوزارة أن يتولى أي وظيفة عامة أخرى أو أن يزاول، ولو بطريق غير مباشر، مهنة حرة أو عملًا صناعيًا أو تجاريًا أو ماليًا.
يومها أصر بعض النواب على تطبيق تلك المادة على الحكومة الجديدة، التي كان أغلبها من التجار، وقد خضعت الدولة للوزراء التجار، خاصة في ظل الخشية من نمو ونشاط التيار اليساري الذي كان يقوده آنذاك الدكتور أحمد الخطيب. فكان أن قاطَعَ النواب الراغبون في تطبيق المادة الـ131 الجلسات، فكانت مناورة سياسية لمنع الحكومة التجارية من مزاولة أعمالها، وهدف النواب آنذاك كان الضغط لكي يتم تقديم استقالة جماعية.
بعض المحللين والمتابعين يرون أن أزمة 1964 كانت مُصطَنَعة، وأن الخلاف على المادة الـ131 لم يكن السبب الحقيقي، وإنما كان الهدف أشخاصا مُحدّدين في الوزارة، أما من عاصَرَ الأزمة فقد كانت لهم آراؤهم الصريحة حولها، فقد قال عنها الدكتور أحمد الخطيب إنها «أزمة مُفتَعَلَة وسخيفة»، وان كل الوزارات التي تشكّلت منذ الدستور والاستقلال لم يكن فيها أي تغيير، وهي مجرد صراع على الكرسي والنفوذ وان بعض الوزراء أرادوا أن يكون طيْعة وتحت إمرَتهم.
الدكتور الخطيب، لسان الحكمة، كان يريد أن يقول إن هنالك صراعًا على السلطة ومحاولة لِضَرْب الحياة الديموقراطية، ومن ضمن ما قاله الدكتور الخطيب: «إن الأشخاص الذين اعتقدوا أن الوزارة السابقة مخالفة للمادة الـ131 لماذا سمحوا لها الآن؟ هل تأكّدوا أن الوزراء الحاليين لا يتاجرون مع الدولة؟ الوزارة الحالية فيها اسماء أربعة وزراء يتاجرون، وأحدهم من أبطال الأزمة، ويدّعي أنه يدافع عن الحياة البرلمانية والدستورية»، انتهى.
توالَت الأحداث فيما بعد من مقاطعة 31 نائبًا لجلسة 8 ديسمبر من العام نفسه، الى استقالة جابر العلي وخالد المسعود، وتقديم الحكومة استقالتها في 29 ديسمبر 1964.
اليوم نَستعيد تفاصيل تلك الأزمة، ونحن نواجه أزمة مشابهه لها في الكثير من تفاصيلها، حتى إن البعض أصبح يتداول في الأزمة الراهنة خبايا وتفاصيل غير مُعلَنة، كالتنافس بين أفراد في الأسرة، والانقسام الحاد بين التيارات السياسية حول أولويات الإصلاح والتمسّك بالدستور كوثيقة وبالديموقراطية كنهج، طالما أكّدت نتائج الانتخابات والوعي المجتمعي أنها أصبحت ثقافة لا يمكن الرجوع عنها، أي باختصار هنالك أطراف أصبحت المشاركة الشعبية أمراً مُقلقاً ومزعجاً لها.
الأمل هنا، بمبادرة تقطع الطريق على مثل هذه المحاولات، خاصة في ظل التأكيد مرارًا على الالتزام بالدستور كوثيقة وبالديموقراطية كنهج، واليقين بمسيرة الكويت الفتية والإدراك للعائد المُثمر للممارسة الديموقراطية الحرة، وهو عائد يَطول الجميع وليس فئة مُحدّدة، خاصة بعد أن أثبتت أحداث كثيرة، منها كارثة الاحتلال وأزمة الحكم في عام 2006 أن الدستور كوثيقة والحريات السياسية كنهج يبقيان الأسلم والأكثر أمانًا.
في أزمة 1964، كان هناك الدكتور أحمد الخطيب بحكمته، وجاسم القطامي بوطنيته، وحمود النصف برجاحة عقله، وخالد العدساني، وغيرهم. واليوم، ونحن نعبر أزمة مشابهة ننتظر أن يخرُج من عباءة الوطن وطنيون وحكماء يقطعون الطريق على الانتهازيين، ويُعيدون التوازن، ويصحّحون المسار.
حفظ الله الكويت وشعبها من كل مكروه.
تعليقات