عبدالله بشارة: أحمد السعدون.. في قطار الرئاسة

زاوية الكتاب

كتب عبدالله بشاره 466 مشاهدات 0


عاش الفاضل أحمد السعدون دائماً في الصفوف الأولى، كان ذلك في الرياضة وفي السياسة، منذ الخمسينيات عرفناه، في نادي النهضة الذي صار نادي كاظمة الحالي، الذي شيدته مجموعة من الشباب من بينهم أحمد السعدون، محافظاً على لياقته القيادية ومتحملاً أشواكها، ومضحياً بوقته، متألقاً في مواقع التأثير، ومسلحاً بقدرة بارزة في تحصين ما يقود، ووقايته من أصابع التدخلات.
كان بين الشباب متمتعاً بثقة أبناء الفريج، كما كسب ثقة زملائه السياسيين سواء من التجمعات السياسية الكويتية، أو من التكتلات النيابية.
 
يمتلك صاحبنا أحمد السعدون صبراً فريداً، لا يقترب منه الضجر، ولا تضعف همته صيحات المنتقدين، فظل يسير منذ الخمسينيات في الممر الذي اختاره، متحصناً باليقين بأن الحياة وضعته دائماً في الصفوف الأمامية، وأن غيابه عن ملفات القيادة هو مجرد فصول من الراحة، يخرج من زواياها عائداً إلى المكان الذي يستلطفه ويتمتع فيه، وأيضاً يطليه بالألوان التي يستذوقها.

وحتى في الفصول التي نسميها التأمل كان موجوداً، فلم تغرِه بقع الصمت التي توفر له الأمان من صخب هذه الدنيا، وإنما مارس التنقل بين الدواوين التي تناسب ذوقه، والتي يحظى فيها بجودة الاستقبال، متحدثاً ومعلقاً وملتزماً أدب الحوار، مغادراً إلى ديوان آخر، في جولات هي في الواقع إثباتات بأن قلبه الأبيض مشتاق إلى البيئة السياسية التي تستوعب طموحاته، وأنه يراقب ويرصد ويتأكد بأن أحوال الكويت التي ابتعد فيها عن مواقع القيادة ستتبدل.

ومع تولي سمو الشيخ نواف الأحمد مقاليد الحكم وبجانبه سمو الشيخ مشعل الأحمد كولي للعهد، رسم سمو الأمير نهجاً مناسباً للمرحلة تجسد في الخطاب التاريخي الذي تلاه سمو ولي العهد في 23 يونيو الماضي، أبرز خطوطه حل مجلس الأمة، مع انتخابات جديدة، وتأكيدات بصون الدستور والتزام مبدأ فصل السلطات وعدم التدخل المباشر في إدارة الدولة. مع عهد أميري جاء في كلمة سمو الأمير بأن القيادة «لن تحيد عن الدستور ولن تقوم بتعديله ولا تنقيحه ولا تعطيله ولا تعليقه، ولا حتى المساس به فهو في حرز مكنون».

ومثل الآخرين من أبناء الكويت تفاعل أحمد السعدون مع هذا الجو المملوء بنسيم سياسي غير مسبوق، يحمل من القيادة تعهدات ولدت لديه القناعة بإنهاء الاعتكاف السياسي مع استئناف المسيرة وفق متطلباتها، بالترشيح للعضوية، التي غاب عنها بالاختيار سنوات، لم يجد في تعرجاتها ما يستهويه، ويفوز بمبايعة حاشدة من أبناء الدائرة، وتغمره روح التفاعل مع المستجدات بترشيخ نفسه رئيساً للمجلس، وغداً بلا أدنى شك سيتوج السيد أحمد السعدن رئيساً للمجلس عائداً إلى الموقع الذي صاغ فيه أحلى سنواته، لكنه الآن مزود بخبرات متنوعة، جمعها خلال سنوات الـتأمل والتحليل.

سيقود أحمد السعدون مجلساً مختلفاً عن الماضي في اجتهاداته وتكتلاته، ونبضه غير ما اعتاد عليه السعدون، فهناك تجمعات لا تقل عن سبعة تكتلات، وفق ما ترصده صحافة الكويت، هناك تجمع الخمسة بتأثير من الأكاديمي حسن جوهر، وتجمع آخر يضم شعيب الموزيري ومحمد المطير، وآخرين استهدفوا رئيس المجلس السيد مرزوق الغانم ورئيس الوزراء سمو الشيخ صباح الخالد، وتحمل الاثنان أثقال المدفعية التي أطلقتها المجموعة وصاحبتها فوضى العبثيات لتعطيل انتخابات الرئاسة، وكانت من مسببات حل المجلس السابق، وهناك تجمع السلف وحدس برعاية جمعية الإصلاح، وهذه مجموعة تختلف في اجتهاداتها عن محتوى الإصلاح الذي نريده، وتمارس نشاطها وفق قراءتها لمصالحها، حيث يغيب الحرص منها عن مرتكزات الدستور مع تجاهل جواهره، وتسويق الوصفة التي تقترحها للنهوض بالكويت.

ويمكن أن ندخل في أبواب التخمين متصورين بأن الرئيس السعدون صاحب الخبرة الطويلة في مواقع القيادة والذي عاش في أجواء العواصف البرلمانية، سيعمل على تبريد الحدة وتطويق المبالغات اللفظية في التعبير، فقد رأيناه كطبيب أسنان نجح في خلع أسنان الاندفاع المحمول بالحماس وصخب الأجواء، كما يملك الرئيس تقديراً واعترافاً بخبرته من الجميع يمكن أن يوظفه لكي يتسيد التعقل مداولات المجلس وتتسلل روح التفاهم مناخ البرلمان.

ويدرك الرئيس حجم الاستهجان الشعبي من تواصل الاستجوابات التي تكاثرت من استسهال النواب اللجوء إليها، لمسببات لا علاقة لها بمبادئ التطوير والتنمية، ومعظمها يتشكل من إفرازات غضب سببه رفض الوزراء لتمرير معاملات غير شرعية تسبب اضطراباً في مسار العمل مع تدخل في تنظيم الوزارات والهيئات الحكومية.

وجرت محاولات للحدّ من تدخلات النواب بعدم الاستقبال دون موعد، لكن الدور الأكبر يأتي من رئيس المجلس المسؤول الأول عن انضباط مسار التحرك النيابي.

لم تنفتح قلوب جميع النواب لرئيس المجلس السابق، لأن عدداً كبيراً من النواب أظهر منذ البداية العداء والسلبية تجاه الرئيس لمسببات لا علاقة لها بجدول الأعمال، وإنما وليدة مواقف شخصية من عدد كبير من النواب لم يسعدهم أسلوب الرئيس في تناوله لبعض القضايا الموضوعة على جدول الأعمال.

تولد من الاستجوابات الشعور بالنفور ما بين مهندسيه وهم النواب، وضحاياه من الوزراء، وتعميق التباعد بين الذين أصابتهم الاتهامات والذين قاموا بقذفها، مما خلق بقعا من الجفاء داخل المجتمع الصغير المتداخل.

وفي هذا الشان نتوقع من الرئيس السعدون، أن يبذل أقصى جهده في المشاورات للوقوف على مبررات الاستجواب، مع تأمين أكبر عدد من النواب المشاركين للوصول إلى التهدئة.

ولا نختلف بأن السعدون يتمتع بثقة ومناصرة الأعضاء الذين اعتادوا على المواجهة والمعارضة، ومن واجبه أن يجند ما يملك من تأثير لتأمين المسيرة لتحقيق منجزات ينتظرها الشعب.

ومن المؤكد أن الرئيس السعدون قد تابع مجرى العلاقات بين نواب المعارضة ورئيس الوزراء السابق الشيخ صباح الخالد وما تعرض له من استخفاف، مع غياب الاحترام للمقام الذي كان يشغله، ورغم كل الاستفزازات فقد حافظ على وقاره وكبريائه متعالياً على المفردات الثقيلة التي صوبها النواب نحوه.

كما يتوقع شعب الكويت من الرئيس السعدون أن يقف بقوة وصلابة ضد المقترحات التي سيطرحها بعض النواب التي تؤذي مصلحة الكويت ويعمل على إبعادها، وينتبه لما قد يطرحه بعض النواب من الأفكار التي فيها ضرر على المال العام وهدفها ترضية المساندين ليوفر للنائب استمرارية البقاء.

وحتماً سيواجه الرئيس الكثير من أفكار النواب التي تطرح بكل براءة بينما في حقيقتها تخدم النائب ولا شأن لها بمصالح الكويت.

الرئيس أحمد السعدون شهد الكثير من أعاجيب الدنيا عبر تجربته الطويلة، فكان فيها المؤثر والحامي الواقي، ولن تستعصي عليه الحلول لما قد يتعرض له من تحديات، وبهذه الروح وبثقة الناخبين سجل النائب أحمد السعدون أعلى الأصوات في ملف الانتخابات الكويتية، انعكاساً لثقة الشعب به ولسجله المملوء بالتميزات القيادية، ويمكن لي أن أضيف بأن هذه الآلاف التي صوتت له تتوقع منه أيضاً أن يسهم بإبعاد الكويت عن الأزمات، وأن يراعي اكتمال الدورة البرلمانية ذات السنوات الأربع، وذلك تعبيراً عن أمل الجماهير بأن دروب التنمية والانجاز سليمة، وأن الثقة في قيادة الرئيس توفر الاطمئنان لهم، ونأمل أن يسجل الرئيس السعدون هذا الانجاز ليدخل في لائحة التميز النيابي.

تعليقات

اكتب تعليقك