أ. د عبداللطيف بن نخي: العقل الكويتي الشيعي السياسي بين الذوبان والاندماج

زاوية الكتاب

كتب د. عبد اللطيف بن نخي 537 مشاهدات 0


اطلعت قبل يومين على دراسة أعدّها الدكتور عبدالله سهر، معنونة «دعوة لنقد العقل الشيعي السياسي: تأمّلات في فكرة الزمكانية والنسبية السياسية لتفاعل الشيعة مع الحدث السياسي في الكويت». هذه الدراسة ثريّة بالمعلومات التاريخية، ولكنها غير متزنة في بعض مراجعاتها.

جاء في إحدى فقراتها القيّمة أن «حصيلة التجربة السياسية لشيعة الكويت باتت تتعايش في ظل الاغتراب السياسي التي تفرض عليها الانخراط في المسار الرئيسي للتوجهات السياسية في الكويت، والتي يهيمن عليها التوجه العروبي واليساري أو المسار النخبوي الذي يشكّله غالباً طبقة التجار، وكلاهما لا يتمتع بمرونة سياسية كافية لاستيعاب الشيعة سياسياً كمكون اجتماعي، إلّا من خلال التبعية والذوبان التام، وهو ما يتنافى مع قوّة الفطرة التقليدية للخصوصية التي تطغى على أي مجتمع تقليدي حديث لم تتم فيه حالة الانصهار التام في البوتقة الاجتماعية والسياسية. ولم يكن خياراً آخر للتوجهات الشيعية في بدايتها إلا التحالف مع السلطة والتي بدورها استخدمتها كأداة شعبية وسياسية ضد ما يعرف بأنه معارضة. ولذلك كانت هذه الحالة المهلهلة تشكل السبب الرئيسي الذي أوجد حالة الفراغ التي سدّت جزءاً رئيسياً منها الحركات السياسية الخارجية التي عَبَرت الحدود الكويتية، إلى جانب القوى السياسية الأخرى في أطراف المعادلة السياسية خصوصاً السلطة والمعارضة الوقتية».

رغم اتفاقي مع الباحث بشدّة في ما جاء بالفقرة، إلّا أن الدراسة لم تكن متزنة في عرض التفاصيل المرتبطة ببعض ما جاء في الفقرة. فمن جانب لم تقر الدراسة بولادة نهج كويتي شيعي جديد في مجلس 2016، يتبنّى الاندماج في مجتمع تعدّدي دستوري، نجح في إقرار قانون الأحوال الشخصية الجعفرية «بغالبية كاسحة بعد مطالبات دامت ستة عقود».

ومن جانب آخر، خلت الدراسة من المراجعة الشاملة والدراسة الفاحصة للعلاقة المتموّجة المديدة بين التيارات والتوجّهات السياسية الشيعية وبين التيّارات والتوجّهات السياسية الدينية «الإقصائيّة»، التي تعاني من تطرّف فكري وتصلّب تشريعي يعرقلان ويعيقان بلوغ المجتمع الكويتي – بجميع أطيافه – إلى حالة الانصهار التام في بوتقة دولة مدنية، خالية من التمييز الفئوي في الحقوق والواجبات الدستورية.

فعلى سبيل المثال، الدراسة الثريّة بالشواهد التاريخية خلت من شواهد معاصرة على سطوة التيارات الإقصائيّة على «البيت الشيعي»، من قبيل تدخّل بعض رموز التيارات الإقصائية في تسمية الوزير الشيعي عند تشكيل الحكومات، كما جاء صراحة على لسان النائب السابق سيد عدنان في لقاء مع تلفزيون «الراي» بتاريخ 20 /12 /2012، ومن قبيل تدخّل تلك التيارات الإقصائية في اختيار شاغلي المناصب القيادية الشيعة، كدورها قبل 10 سنوات في استبعاد أحد الأكاديميين الشيعة الأكفاء – الذي توفّاه الله قبل سنة – من منصب قيادي أكاديمي قُبيل إصدار قرار تعيينه.

الدراسة أشارت إلى جزئية مفصليّة – وردت في الفقرة أعلاه – مفادها أن القوى السياسية المحليّة غير الشيعية استغلّت حالة الاغتراب السياسي التي يعاني منها العقل الكويتي الشيعي السياسي، وساهمت في إعادة برمجته وتوجيهه. ولكن الدراسة خلت من استعراض أمثله وشواهد على الاستغلال.

أحد الشواهد على الاستغلال هو نتائج انتخابات 2020. حيث أكّدت نجاح التيارات الإقصائية في تضليل العقل الكويتي، من خلال تهميش أولوية ردم هوّة التمييز الفئوي وتحريف مفهوم الطائفية في الثقافة المجتمعية. وبهما شاركت في استبعاد وتحجيم النوّاب الذين يتبنّون الاندماج في مجتمع تعدّدي دستوري، وفي دعم وإبراز النوّاب الذين قبلوا الذوبان والانخراط في أجندتها.

الجدير بالذكر، أنّ العديد من النشطاء السياسيين والأكاديميين الشيعة شاركوا في حملات التضليل الإقصائية، لأسباب متعددة من بينها الاستثمار الشخصي في سطوة التيارات الإقصائية.

ولذلك، في موسم الانتخابات الحالي لوحظ حرص الكثير من المرشحين على كسب ود التيارات الإقصائية، أو على أقل تقدير تفادي خصومتها وعداوتها. وذلك بطرق مختلفة كإعلان الانفتاح غير المشروط على جميع نوّاب المجلس القادم، والامتناع عن إعلان رفض «وثيقة القِيم»...

اللهمّ أرنا الحقّ حقاً وارزقنا اتباعه.

تعليقات

اكتب تعليقك