د.عبداللطيف بن نخي: نوّاب أقوياء خُوّر
زاوية الكتابكتب د. عبد اللطيف بن نخي سبتمبر 8, 2022, 10:10 م 507 مشاهدات 0
خلال سنوات مسيرتي الأكاديمية ومساهماتي في الشأن العام، شاركت في العديد من اللجان وفرق العمل، وكانت أثقلها تكليفاً وأكثرها تعقيداً وحساسية هي تلك المُشكّلة لإعداد أو تنقيح لوائح تنظيمية أو اتفاقات متعدّدة الأطراف، لأنه فور تشكيلها ينزلق الأعضاء المكلّفون إلى ما بين مطرقة المكتسبات والمطالبات، وبين سندان مبادئ وقواعد الإصلاح والتنمية ومستلزمات محاكاة الحالات المناظرة الناجعة على المستويات المحلّي والإقليمي والدولي.
لذلك، جرت العادة على عرض الوثائق المنبثقة من تلك اللجان والفرق على سائر الأطراف المعنية (Stakeholders) قبل إقرارها بشكل نهائي، لاستشفاف آرائهم، خصوصاً تحفّظاتهم وملاحظاتهم، لتداركها في الصيغ النهائية بالقدر المناسب أو الممكن. ولكن هذا لا ينفي أنه في معظم الأحيان تترك بعض التحفظات والملاحظات خارج الصيغ النهائية للوثائق، لأسباب إشاعة كتناقضها أو تعارضها مع آراء مُرجّحة، أو لأن أثرها المبطّن هو إعاقة ومنع إقرار الوثائق.
هذه الخلفيّة الإدارية الأكاديمية والتجارب الميدانية التراكمية، أضافت لي ولنظرائي درجة من النضج في متابعتنا للفعاليات والأنشطة النيابية، وعزّزت قدراتنا على قياس وتقييم حصافة وكفاءة أداء النوّاب.
فبعد أن كنّا نُبهر ونُسحر بتصريحاتهم الحماسية وتعهّداتهم الورديّة، بدأنا نطالبهم بتوظيف الأسئلة البرلمانية والاقتراحات بقوانين لتدعيم المشاريع الإصلاحية وتحقيق وعودهم الانتخابية. ثم طالبناهم بالاستثمار في الاستجوابات وطلبات طرح الثقة وعدم التعاون لصالح الوطن والمواطنين، وبالأخص المغبونون منهم.
وبعد أن اطلعنا على مستندات رسمية تؤكّد تضخم ثروات العديد منهم، ورأينا شواهد على تجنيد الكثير منهم لتنفيذ أحكام الإعدام السياسي بحق وزراء ورؤسائهم، وأدركنا وفطنّا دوافع غالبية المجاميع النشطة في وسائل التواصل الاجتماعي في دعم نوّاب ومرشحين معيّنين؛ بعد كل ما سبق، تبنّينا مؤشرات مستحدثة لتصنيف النوّاب في مجالس الأمّة المتعاقبة، وأهمها مؤشرات لرفع بصمات النوّاب التشريعية من الجريدة الرسمية «الكويت اليوم»، من خلال إحصاء وتقييم المواد القانونية التي شاركوا في إقرارها، وقياس مستوى مشاركاتهم في كل منها. وأيضاً مؤشرات لاحقة لتقييم أثر تلك البصمات على أرض الواقع، في مؤسسات الدولة وفي بيوت الشعب.
المراد أننا حصّنا أنفسنا من مفاتن التصريحات والمواقف والإجراءات النيابية الاستعراضية المقنّعة بشعار الإصلاح والمتسترة بشعار مكافحة الفساد، المتّسقة مع أجندات ملغومة ملوثة، المدفوعة الأجر نقداً وعيناً أو في صورة دعم إعلامي وإسناد انتخابي.
الكثير من النوّاب الاستعراضيين سَبّاقون في إبداء التعاطف مع المتضررين من الأخطاء في بعض الأحكام القضائية، وهم أيضاً من أوائل المطالبين بتصحيح الأخطاء وتعويض المتضرّرين. ولكن سيرهم النيابية خالية تماماً من مساع «جادّة» لتشريع قوانين تردم الفراغات التشريعية ذات الصلة، كقانون «مخاصمة القضاء» الذي يجيز تعويض المتضررين من الأخطاء. بل على النقيض من ذلك، قد تجدهم على ضفة الذين شاركوا في إعاقة تشريع القانون، ولو بالملاحظات والتحفظات في أمور جزئية تقديرية خلافية.
من يرجع إلى أرشيفي مجلس الأمة والجرائد اليومية، سوف يدرك جسامة الجهود التي بذلتها اللجنة التشريعية – بدور الانعقاد الرابع بمجلس 2016 – لتقريب الآراء المتباينة لدى جميع الأطراف المعنية بقانون «مخاصمة القضاء»، والتي كانت ثمرتها موافقة المجلس على القانون بمداولتين. وفي المقابل، سوف يستهجن مراجع الأرشيفين موقف الذين اعترضوا على القانون ابّان تداوله بمجلس 2016، ولم يوفّقوا بتداوله في مجلس 2020.
لذلك قبل التصويت لمجلس 2022، علينا نحن الشعب أن نميّز بين النائب الغث بإخفاقاته وبين النائب السمين بإنجازاته. علينا التحصين ضد فيروسات الوعود والتعهدات الانتخابية الزائفة والجعجعة «بلا طحين»، حركات بهلوانية بلا تشريع وبلا تدوير لعجلة التنمية الوطنيّة وبلا معالجة لمشاكل المواطنين. علينا أن نستذكر أن الهدم أسهل بكثير من البناء، وأن التنمية في وطننا معطّلة لأن لدينا فائضاً من النوّاب الأقوياء بالهدم الخُوّر في البناء... «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه».
تعليقات