بدر البحر: سمو الرئيس.. جففوا منابع الجماعات قبل الانتخابات
زاوية الكتابكتب بدر خالد البحر أغسطس 15, 2022, 10 م 3163 مشاهدات 0
لعل أي تغيير لقواعد العمل السياسي يحتاج وقتاً، كون الساحة متخمة بالفساد، بيد أن إعلان القيادة عن كبح التدخل بالانتخابات يعد الخطوة المفصلية الأهم لإعادة رسم المشهد شبه الديموقراطي، ولكننا نحذر الجميع من أن المال السياسي ليس بالضرورة أن يكون نقداً مرصوصاً يوضع في شنط أو يودع في حسابات مرشحين كما حدث في السابق، ولكن الأخطر هو استخدام أموال الدولة ومؤسساتها وتجيير نفوذها لمصالح انتخابية، كما فعلت مجاميع قبلية وأحزاب سياسية دينية، ثم صاروا يساومون بها الحكومة كندّ لها ويملون عليها شروطهم، وأبسطها تعيين وزراء ووكلاء ومساعديهم وشطر من كعكة المناقصات والمقاولات والتوريدات!
لقد حذرنا من هذه الممارسة لسنوات، والتي جاءت بعد تحالف الحكومة مع الأحزاب الدينية السياسية الموالية والمبايعة لأطراف خارجية أو داخلية، اعتقاداً منها بأنها الطريقة الأسهل لكسب الشارع، تحالفات كانت فيها الحكومة الطرف الخاسر عندما تقوم بتسليم مفاتيح مؤسساتها لتلك الأحزاب، وأكبر دليل على ذلك عندما تحالفت مع الإخوان ضد الوطنيين، وأدخلتهم الوزارة مقابل السكوت عن تزوير الانتخابات في الستينيات والسبعينيات، حتى وصلنا إلى مؤتمر جدة في الغزو، ثم محاولات «اختطاف العمل السياسي»، كما تمت الإشارة إليهم في مقابلة الراحل سعود الناصر، عادوا بعدها للسيطرة على وزارة الأوقاف والمؤسسات التابعة، كالأمانة العامة للأوقاف وشؤون القصر والوسطية ولجنة استكمال تطبيق الشريعة، بما تضمه خزائنها من ميزانيات بمئات الملايين سنوياً، حتى جاءت المفاجأة بموقف الإخوان المعارض للحكومة إبان أحداث الربيع العربي، لتقوم باستبعادهم واستبدال حزب السلف، الأضعف، بهم، ليتكرر مشهد تسليم مفاتيح مؤسسات الدولة مرة أخرى، ولكن هذه المرة لحزب ديني مترهل فاشل جاءنا ببدعة تنصيب قياداته من حملة شهادات الدكتوراه المزورة!
على الرئيس أن يفتح ميزانية الوزارات والجهات الحكومية والملحقة بها والمستقلة التي سلموها لتلك الأحزاب، ليعي حجم المال العام والأصول الحكومية التي وقعت تحت سيطرتهم، والتي تقارب ميزانياتها أربعمئة مليون دينار سنوياً، وتتجاوز الأصول تحت الإدارة ما يفوق ثمانمئة مليون دينار، وما شابتها من تجاوزات وسوء إدارة، وما طالها من تجيير وانتفاع تم استغلال نفوذه للانتخابات بشراء الأصوات وكسب الولاءات لمصلحة الحزب، منها ما قد يكون على شكل تنفيع شركات بالعقود والتوريدات والمناقصات وعدم تطبيق الغرامات والجزاءات، أو تنفيع الأفراد بالمساعدات والتعيينات والترقيات والمكافآت واللجان، والتي جاء بعضها بالمخالفة لقرارات مجلس الوزراء. إلى جانب ذلك، فإن مصادر النفوذ المالي للأحزاب الدينية تأتي من خلال حشد مئات الملايين عن طريق جمعياتهم الخيرية، التي أجاز بعضهم استخدامها لدعم الحملات الانتخابية! حيث تأتي على شاكلتهم أيضاً الجماعات الدينية السياسية الموالية لإيران.
لذلك، فإنها رسالة لرئاسة الوزراء بأن أي انتخابات نزيهة قد تبدأ بالخطوة المفصلية التي أقرتها بعدم السماح للوزراء باستقبال النواب السابقين والمرشحين والمتنفذين لوقف كسب الولاءات، ولكن الخطوة الأهم تأتي عند رقابة وتجفيف مصادر تمويل الأحزاب الدينية التي يستغل بعضها الأموال الخيرية لأغراض سياسية خارجية أحياناً، وداخلية في كثير من الأحيان عند فتح باب الترشح على سبيل المثال لا الحصر، إضافة إلى ضرورة غل أيديهم وإقصائهم عن السيطرة على مؤسسات الدولة حتى لا يستغل النفوذ والمال العام لمصلحة مرشحيهم، وهو إجراء يجب أن تقوم به الحكومة فوراً، فهو ليس افتراضياً كما يقول الإنكليز «هايبوثاتيكال»، بل هو الحل الأمثل والعملي من واقع الخبرة الناجحة لعدة دول قريبة منا، لذلك علينا أن نحذو حذوها من دون أي داعٍ لإعادة اختراع العجلة، وإن كلفنا ذلك تأجيل موعد الدعوة لفتح باب الترشح، حتى تتأكد الحكومة أنها حققت سيطرتها وجففت منابع الجماعات قبل بدء الانتخابات.
***
إن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي.
تعليقات