د.حسن جوهر يتمني أن يكون رمضان فرصة لأصحاب القرار لتلمس معاناة الناس وهمومهم وقضاياهم

زاوية الكتاب

كتب 880 مشاهدات 0




الصوم السياسي!
د. حسن عبدالله جوهر
 
يحل علينا شهر رمضان المبارك ضيفاً حنيفاً كريماً ليحمل معه كل معاني الخير والبركة، ويفتح خزائن الفيض الإلهي، فطوبى لمن يفوز بجوائزه وعطاياه، وهذا الشهر الفضيل يفرض بسحر عبقه أنماطاً من الحس المشترك والمشاعر الموحدة بين عموم المسلمين، حيث تتدفق القلوب بدفء المحبة وترتقي إلى أعلى درجات الشفافية، وبتلقائية غريبة تشتاق الأرواح إلى المزيد من العبادة والتقرب إلى الله بالصلاة والابتهال والدعاء وقراءة القرآن.

ومن مميزات هذا الشهر الكريم وحدة المواقيت حيث تتزامن لحظات الإفطار والإمساك عن الطعام بشكل نظامي قد لا يوجد له مثيل إلا في ظل النظم العسكرية التي تفرض هذا اللون من العمل الجماعي بالقوة والأوامر الفوقية، ولكن مواعيد الإفطار والسحور وفترة الإمساك تتكلم فيها الإرادة التطوعية الذاتية.

أما تبادل الزيارات والتواصل الاجتماعي وصلة الأرحام فتكون بدورها سمة مضافة تزدان فيها أمسيات شهر رمضان، وتضفي عليها حيوية وشعوراً بالسعادة قد يختلف مذاقها عن الأيام الأخرى.

وأخيراً فإن الشهر الكريم يمثل محطة زمنية ونقطة تحول في غاية الأهمية، حيث يمكن من خلالها استرجاع شريط الماضي وتقييم أدائه من جهة، والاستعداد للرحلة القادمة وتحديد أهدافها ومشاريعها من جهة أخرى.

ومن خلال هذه الشواهد على فضائل شهر رمضان ومن الأبعاد المختلفة التي شرعها رب العالمين لعباده، يمكن تسليط الضوء على بعض الإسقاطات والانعكاسات العملية لسلوكياتنا العامة لعل فيها الخير، خصوصاً فيما يتعلق بالجوانب السياسية في حياتنا، فمن ناحية إذا كان شهر رمضان دافعاً وجدانياً لتلمس معاناة الناس وهمومهم وقضاياهم والمشاكل التي تعتري حياتهم، فبالتأكيد يمكن لأصحاب القرار التعرف بل التفاعل مع هذه المسائل عن قرب وبروح عالية من المسؤولية.

وإذا كان التواصل الرمضاني بين القوى والتيارات والشخصيات السياسية وفق المنظور المقدس لهذا الشهر الكريم، فإنه بالتأكيد يساهم في المزيد من التعاطف والتماسك وتبادل الرأي والمشورة بشكل ودي وأخوي، الأمر الذي يساعد في الوصول إلى فهم مشترك ونقاط التقاء أوسع وأفضل.

وإذا كانت أيام شهر رمضان عبارة عن محطة سياسية يسترجع خلالها سجل الماضي ويُخضع لتقييم موضوعي وجاد ويستفاد منه بالتحضير لمستقبل أفضل لأوضاع البلاد والعباد، فإنها بالتأكيد دلالة على حقيقة الفوائد المرجوة من مثل هذه المحطة كمنعطف، وتحديد مسار جديد لآفاق هذا المستقبل.

وإذا كان الشهر الفضيل محراباً للعبادة والتقرب إلى الله بالأعمال الصالحة وإخضاع الروح البشرية لدورة تأهيلية في العرفان والوجدان، فإن المسؤولية السياسية إذا ما تحولت إلى عبادة مؤداها الإصلاح والبناء فإنها بلا شك من المسالك المؤدية إلى رضا الله تعالى والفوز بتسديده.

ولكن إذا ما تحولت أجواء شهر رمضان إلى حلبة من الصراع والشتات والإهمال والقصور في تحمل المسؤولية أو الأكثر من ذلك لا سمح الله إلى الاستمرار في غي الانغماس في المحظور من تسيّب والتطاول على القانون والتجرؤ على الأموال العامة وبخس حقوق الآخرين، فعندئذ يكون ذلك مصداقاً لذلك الصائم ألا يتورع عن المحارم ولا تؤثر في سلوكه وأخلاقه فلسفة وحكمة الصوم، والذي قال عنه الرسول الأكرم (صلى الله عليه وسلم): 'كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش'.

نسأل الله تعالى أن يجعلنا جميعاً من الصائمين والقائمين والذاكرين في هذا الشهر المبارك، وأن يعيد هذه المناسبة على بلدنا وشعبنا وأمة المسلمين بالخير واليمن والبركات.

 

 

الجريدة

تعليقات

اكتب تعليقك