خيرالله خيرالله: هل بقيت جمهوريّة لبنانيّة... كي يُنتخب رئيس لها!

زاوية الكتاب

كتب خيرالله خيرالله 414 مشاهدات 0


عادت انتخابات رئاسة الجمهوريّة إلى الواجهة في لبنان. كان لافتاً البيان الصادر عن القمة التي انعقدت أخيراً في جدة بحضور الرئيس جو بايدن وقادة الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون لدول الخليج العربيّة إضافة إلى الملك عبدالله الثاني والرئيس عبدالفتاح السيسي ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي.

دعت القمة إلى احترام موعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية خلفاً لميشال عون الذي تنتهي ولايته في 31 أكتوبر المقبل.

تكشف هذه الدعوة حرصا على لبنان وعلى ما بقي من مؤسسات فيه في وقت لم تبق جمهوريّة لبنانيّة للتفكير في انتخاب رئيس لها.

هذا ما اكّدته مسيّرات «حزب الله» فوق حقل «كاريش» للغاز الإسرائيلي.

تعني هذه المسيّرات سقوط الجمهوريّة. لم يعد في الإمكان الكلام عن دولة لبنانيّة عندما لا يفوت «حزب الله»، الذي ليس سوى لواء في «الحرس الثوري» الإيراني، أي فرصة لإبلاغ العالم، خصوصاً دول الخليج العربيّة، انّ اجندته ايرانيّة بنسبة مئة في المئة وانّه ممسك تماماً بقرار الحرب والسلم في لبنان.

تكفّل عون وصهره جبران باسيل بالقضاء على الجمهورية وعلى مؤسساتها ومقومات وجودها. سيحاول «حزب الله» البناء على الدمار الذي خلفه العهد البرتقالي الذي طالما نادى رئيسه بالسيادة والاستقلال.

سيحاول الحزب تمرير انتخاب رئيس جديد للجمهورية في اطار صفقة شاملة متكاملة لا تبدو فرنسا بعيدة عنها، خصوصا بوجود ايمانويل ماكرون في قصر الإليزيه.

يبدو ماكرون مستعدّا لمدّ الجسور مع الحزب والأخذ والردّ معه غير آبه بالخطر الوجودي الذي يشكّله على لبنان وعلى الوجود المسيحي فيه تحديداً.

لدى الحديث عن الدمار اللبناني، الذي عمل «حزب الله» من أجله بهدف بلوغ الوضع الراهن، لا مجال لتجاهل الواقع الأليم المتمثّل في أنّ تأثير انهيار النظام المصرفي ما زال في بدايته.

سيدرك اللبنانيون وأبناؤهم في يوم من الأيّام معنى ما حصل ومدى مسؤولية الدولة في عهد عون - باسيل عن كارثة لا حدود لضخامتها وابعادها في مجال تغيير طبيعة المجتمع اللبناني كلّه وصورة لبنان وهويته.

قد يدرك اللبنانيون يوما، بعد فوات الأوان طبعا، لماذا رفض رئيس الجمهورية سريعاً، بل سريعاً جدّا، أي تحقيق دولي في تفجير مرفأ بيروت في الرابع من اغسطس 2020.

أراد بكلّ بساطة قطع الطريق على معرفة الحقيقة لا أكثر. ثمّة خوف ليس بعده خوف لدى كثيرين من تحقيق دولي يكشف ما كشفته المحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي نظرت في جريمة تفجير موكب رفيق الحريري ورفاقه.

لم تترك المحكمة أي ثغرة في التحقيق الذي بنت عليه قرارها والذي يحدّد من نفذّ الجريمة ومن لعب دوراً في تغطيتها... في سياق مخطّط مدروس يستهدف تدمير بيروت ولبنان!

على الرغم من الوضع الكارثي القائم حالياً، يبدو ضرورياً التفكير في انقاذ ما بقي من الجمهوريّة.

هذا اذا كان في الإمكان انقاذ شيء منها، قبل التفكير في انتخاب رئيس للجمهوريّة... بناء على نصيحة الفاتيكان وغيره من الدوائر الدولية والعربيّة القليلة التي ما زالت تفكّر بلبنان وتبدي حرصها عليه في هذا العالم المليء بالتعقيدات.

يبدأ التفكير في انقاذ الجمهوريّة بتحديد اصل العلّة في لبنان، أي الاحتلال الإيراني الذي يرمز اليه سلاح «حزب الله».

توجد حاجة إلى البحث في كيفية انقاذ الجمهوريّة قبل الاختلاف على انتخاب رئيس للجمهوريّة مع قرب نهاية «العهد القويّ» بعد ثلاثة أشهر وأسبوع من الآن.

من ينقذ الجمهوريّة؟ وكيف يمكن انقاذ الجمهوريّة؟ لا جواب عن مثل هذا النوع من الأسئلة في ظلّ التوازن الإقليمي القائم وفي ظلّ العزلة التي يعيشها لبنان.

ليس هناك، في المدى المنظور، من يريد بالفعل تغيير التوازن الإقليمي الحالي باستثناء أنّ من الصعوبة استمرار الوضع في الجنوب السوري على حاله.

يبدو واضحاً أنّ الضغوط الروسيّة والإيرانيّة على تركيا أخّرت أي عملية عسكرية تركيّة في الشمال السوري.

ستكون ايران في الأشهر القليلة المقبلة، في أقلّ تقدير، لاعباً إقليمياً مهمّاً في وقت لا وجود لأيّ اهتمام عربي أو دولي بلبنان ومصيره.

سيمرّر الحزب مرشّحه للرئاسة بتفاهم مع فرنسا. يمتلك الحزب اكثريات عدّة في مجلس النواب الجديد الذي يمكن وصفه بأنّه مجموعة جزر صغيرة، أي انّه اقرب إلى أرخبيل اكثر من أي شيء.

استخدم الحزب احدى الأكثريات لايصال نبيه برّي مرّة سابعة إلى موقع رئيس مجلس النواب.

استخدم أكثرية أخرى لمنع وصول متعاطف مع «القوات» إلى موقع نائب رئيس مجلس النوّاب. استخدم شبه اكثريّة ثالثة لضمان إعادة تكليف نجيب ميقاتي تشكيل الحكومة.

قياساً على ما حدث في مرحلة ما قبل انتخاب عون رئيساً للجمهوريّة، بدعم من سمير جعجع أوّلاً ومن سعد الحريري في الدرجة الثانيّة، ليس مستبعداً تكرار السيناريو نفسه بعد خروج عون من قصر بعبدا.

خلّف الرجل مع صهره ما يكفي من الدمار كي يكون هناك تجديد لـ«عهد حزب الله» تحت اسم جديد، قد يكون سليمان فرنجيّة أو غيره، في وقت يبدو واضحاً انّ «الجمهوريّة الإسلاميّة» في ايران تلعب أوراقها بدقّة وباتت قادرة على الاستفادة من ضعف الدور الروسي في سورية.

لم تكن مسيّرات «حزب الله» فوق «كاريش» يوم الخامس من الشهر الجاري والتي تبعتها مسيّرة أسقطت يوم الثامن عشر من يوليو الجاري، رسالة إلى اهل المنطقة والمجتمع الدولي بمقدار ما كانت رسالة إلى اللبنانيين.

فحوى الرسالة أن الحزب هو لبنان ولبنان هو الحزب.

مرّة أخرى تؤكّد إيران أن لبنان بات ورقة لديها وأنّها صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في البلد وأنّ معركتها مع اميركا طويلة ولا فارق عندها ما يمكن ان تخسره ما دامت خسائرها ليست من جيبها. إنّها خسائر تطول لبنان واللبنانيين وسورية والسوريين والعراق والعراقيين واليمن واليمنيين.

تعليقات

اكتب تعليقك