بسام العسعوسي: جنون الجماهير..!
زاوية الكتابكتب بسام العسعوسي يوليو 16, 2022, 10:15 م 368 مشاهدات 0
أرسل لي أحد الأصدقاء رسالة على الواتس أب لواحدة من بعض الدكاكين الالكترونية- وما أكثرها على مواقع التواصل ممن تدار من الخارج- تحتوي على معلومات واتهامات ومبالغات شديدة عن مناقصة في هيئة حكومية ستقوم بتنفيذها إحدى الشركات الكبرى المتخصصة، وهذه المعلومات لايمكن لأي عاقل تصديقها، ذلك الصديق على قدر عال من الثقافة والتعليم والمعرفة، فسألته عن مصدر تلك الرسالة وحقيقة المعلومات الواردة بها من عدمه، فأجاب بأنه لايعلم عن الأمر شيئا وأن الخبر منشور في الصحيفة على تويتر، وهو قام بإعادة إرساله فقط فما كان أمامي إلا لومه وتقريعه وسؤاله عن كيف سمح لنفسه، وهو المتعلم والمسؤول، أن يعيد بث خبر لا يعلم عن حقيقة وصحة المعلومات أو بالأحرى الاتهامات الواردة في صلبه، والتي بالضرورة تمس سمعة وكرامة بعض الشخصيات، فلم يجب وهنا تيقنت بأن صاحبنا قد انضم لجمهور القطيع، وقد قفز إلى ذهني مولانا غوستاف لوبون في كتابه الرائع سيكولوجية الجماهير، حيث وضع الخصائص والأخلاقية العامة للجماهير والقانون النفسي لوحدتها الذهنية، مثل سرعة الانفعال والنزق والعجز عن المحاكمة العقلية، وانعدام الرأي الشخصي والمبالغة في المشاعر والعواطف، وخلق الأساطير والهلوسات الجماعية، وليس الجمهور بحاجة لأن يكون كثير العدد لكي تغطي إمكاناته على الرؤية الحقيقية للأمور، فمثلاً على تويتر في ذلك الفضاء الواسع يكفي مئة حساب وهمي مثلاً في خلق رأي عام أو قيادة توجه أو فكرة أو تشويه سمعة أشخاص، فبعض الجماهير ساذجة ومستبدة بطبيعتها وتنقاد للغوغائية وتتأثر بأي شيء وتصدقه وتعيد نشره وتداوله وكأنه من المسلمات وخبر لا تمكن مناقشته، فالجماهير كالنساء تذهب دائماً نحو التطرف كما يقول السيد لوبون. وهنا لا أتحدث عن الحسابات الوهمية فالكثير منها معروف من يقف خلفها، لكن حديثنا ينصب على الشخصيات الحقيقية التي تعيش بيننا في عالم الواقع.
في الجمهور يجتمع الأبله والحاقد والجاهل والحاسد والمجرم والمتعلم والمثقف والطبيب والنائب والمحامي والمهندس نحو الخبر، ويقيمون حفلة صاخبة في مواقع التواصل للتعاطي مع خبر ما ويقومون بنشره وتداوله وكأنهم «ديوانية الچذابين» والكثير منهم لا يعلم أنه بذلك يرتكب ربما جريمة يعاقب عليها القانون، إلا عندما يفيق من النشوة ليكتشف بأن خبره الذي نشره أو أسهم بنشره كان كاذباً، بل أحياناً كثيرة يأتيه اتصال من الجهات الرسمية متهمة إياه بنشر أخبار مسيئة لكرامات الناس، وهذا بخلاف التعويضات المالية التي سوف يدفعها للشخص الذي تمت الإساءة إليه، وقد عايشت ومازلت حقيقة هذا الأمر من خلال عملي كمحام موكلاً عن العديد من الشركات ورجال الدولة والمسؤولين، فعندما يحضر أحدهم إلى جهات التحقيق لتفاجأ بأنه يعض أصابع الندم والحسرة.
أظن أن المجتمع لايزال يعاني أزمة ثقافية وأخلاقية، وهو يدمر نفسه إذا استمر يلهث خلف الأكاذيب واستمرت الحكومة عاجزة عن قيادة الرأي العام، الذي تركت قيادته لبعض الحسابات المأجورة والمرتزقة والسياسيين المارقين وأصبحت ترضخ وتخاف من سطوة هؤلاء!
تعليقات