رُبَّ رواية من غير راوٍ.. بقلم فهد توفيق الهندال

فن وثقافة

الآن 1450 مشاهدات 0


من أكثر ما يشدنا في قراءة أية رواية، اسم كاتبها أو الانجاز الذي حققته أو الموضوع الذي تطرحه أو الدهشة الفنية التي تتميز بها، حتى ولو كانت الرواية الوحيدة في سيرته الأدبية.

المعروف أن الطيب صالح يملك من رصيده الروائي، ثلاثة روايات، أشهرها “موسم الهجرة إلى الشمال”، للموضوع الجدلي الذي طرحته وقتها، ولتقنية السرد المعتمدة على سارد عليم مشارك غير مسمّى بالعمل، ولكونها جزءا من سيرة روائية للطيب شئنا أم أبينا. وبرغم اقتصاده في الكتابة الروائية إلا أن ذلك لم يكن عائقا لكي يكون ضمن أهم ١٠٠ روائي في العالم.

إذن، المنجز الروائي لا يحتسب بالكم المتراكم من الأعمال، وإنما المميز فيما كتبه الروائي والدهشة الفنية التي أبدع بها وأسس معها خطا روائيا جديدا يسير عليه من بعده جيل من الكتاب نحو كتابة الرواية. فالمنجز الروائي ليس رقما، بقدر ما أنه قدرٌ فني يضع كاتبه في قائمة التميز الروائي ولو كان كاتبا لعدد يسير من الأعمال.

فالروائي المبدع هو من يحصي بنفسه أعماله الناجحة دون بقية أعماله، بما يوازي قناعة المتلقي. فللروائي الحق في اقصاء أي عمل يرى فيه “عدم نضج” أو ” اخفاقا تاما” ضمن مسيرته ككاتب كما يرى الروائي ميلان كونديرا.

ولنا مثال رائع فيما اقدم عليه الروائي الراحل اسماعيل فهد اسماعيل في تخلصه من مسودات بعض أعماله لعدم اكتمالها وكان جوابه على سؤالي له إن كان قرارا مؤلما، فأدهشني باجابته بأنه كان يراوده هاجس، فلا يحب أن تنسب إليه بعد وفاته.

إذن، ما يمكن أن نخلص إليه، أن العمل الروائي هو جزء من تأملات الروائي في الحياة، وتمرينات يمارسها لتعزيز وعي هذه التأملات، ومحاولات منه لكي يرسم عالما متخيّلا افتراضيا لعالم واقعي مُعاش. فالرواية حقل تجربة الكاتب فكريا وضميره الحسي ورصيد خبرته الفنية، ولا يمكن أن يغامر كاتب عظيم بتاريخه لمجرد أنه يرغب بأن يكون كاتب موسمي أو كاتب ترند على حساب الصنعة الروائية. فالرواية لا تكتب لمجرد البوح، وإلا اعتبرت يوميات أو مذكرات شخصية، وليس من أجل الجوائز، فكم رواية فائزة غلبتها أخرى خالدة، وليس كتابة لمجرد الحضور بصرف النظر عن قيمتها الفنية وخطابها السردي، وإلا لقرأنا أعمالًا لا تنسب لأصحابها إلا اسما وتكون مجرد رمية تعتمد على الحظ فقط!

تعليقات

اكتب تعليقك