هروب اللاعبات من حركة طالبان.. خطة "هوليوودية" رسمتها حارسة مرمى
رياضةيونيو 16, 2022, 10:24 م 497 مشاهدات 0
بينما امتلأ مطار كابل الدولي بآلافٍ اضطرهم الهلع الذي استحوذ على قلوبهم بالهروب من مصير مجهول عقب تولي حركة "طالبان" الحكم في أفغانستان، كانت "فاتي" وزميلاتها يخططن للنجاة بحياتهن ولم يوقفهن عن ذلك مستقبلهن الكروي الذي لم تتضح معالمه حتى الآن رغم مرور ما يقارب العام على رحلة الخلاص.
ونشرت "بي بي سي" تقريرًا مطوّلًا عما آل إليه حال منتخب أفغانستان النسائي لكرة القدم وأفراده بعدما تركن وطنهن في رحلة محفوفة بالمخاطر كانت ستكلفهن حياتهن، وأحلام كرة القدم التي أصبحت مؤجلة لحين إشعار آخر.
وقررت فاتي -لم تذكر بي بي سي اسمها الكامل حمايةً لعائلتها- التي ساعدتها الأفلام والمسلسلات الإنجليزية على شحذ مهارات التواصل لديها الهرب فور إعلان طالبان السيطرة على البلاد وترك عائلتها خلفها: تقبّلت الأمر الواقع أن وطني قد انتهى ورحل.
وتابعت: تيقنت أنه لا توجد أي فرصة للعيش، لا توجد فرصة لي للخروج مرة أخرى والنضال من أجل حقوقي، لا مدارس، لا إعلام، لا رياضة، كنا مثل الجثث في منازلنا، لم أعرف طعم النوم لمدة أسبوعين، أستخدم هاتفي طوال الـ24 ساعة، أبحث في مواقع التواصل الاجتماعي وأرسل رسائل نصية لأي شخص يمكنه المساعدة.
وبعد عدة أيام من الصبر الذي تحوّل ليأس، استطاعت فاتي الوصول لطريقة ساعدتها مع زميلاتها على الهروب من كابل.
خطة الإجلاء تم التخطيط لها على بعد أكثر من 12,700 كيلو متر في مدينة هيوستن بولاية تكساس الأميركية، من قبل جندية سابقة بـ "المارينز" تُدعى هالي كارتر وتبلغ من العمر "37 عامًا".
تقول هالي: كان الأمر أشبه بمركز عمليات افتراضي داخل تطبيق "واتس آب"، لا تستهينوا أبدًا بقوة امرأة تمتلك هاتفًا ذكيًا.
وكانت كارتر لاعبة كرة قدم وحارسة لمرمى فريقها أيضًا، بعد فترة خدمتها في الجيش التي قضتها في العراق، لعبت من 2013 وحتى 2016 في فريق "هيوستن داش" ثم انتقلت للعمل كمدرب مساعد للمنتخب الأفغاني في 2016 وحتى 2018.
ولم تمنعها آلاف الأميال من التواصل مع أفراد فريقها السابق، ومشاركة المعلومات التي يطلعونها عليها مع موظفي المخابرات والأمن القومي في الولايات المتحدة، وتم إطلاق اسم "ديجيتال دانكريك" على عملية إجلاء فاتي وزميلاتها، في إشارة لفيلم الحرب الشهير.
وتتابع كارتر: في بيئة حرب عادية، لم نكن لنتمكن من أن نطلعكم على هذه المعلومات، لكنها عملية إجلاء، ولأكون صادقة معكم، لم أعتقد أن الأمر ممكنًا.
تم التواصل مع كارتر من قبل خالدة بوبال القائدة السابقة لمنتخب أفغانستان النسائي لكرة القدم، والتي أُجبرت على ترك بلادها بعد أن هُددت بالقتل عام 2011، ومنذ ذلك الحين وهي تعيش بالدنمارك.
وأدركت بوبال أن فاتي وزميلاتها في خطر بعد وصول طالبان لسدة الحكم، وبعد التواصل معهن طالبتهن بحذف حساباتهن على مواقع التواصل الاجتماعي، ودفن الجوائز وحرق الملابس الرياضية.
وعلّقت فاتي: الأمر كان صعبًا لأنها إنجازاتنا، من قد يريد حرق قمصانه؟ قلت في قرارة نفسي: إذا نجوت سأحقق تلك الإنجازات مرة أخرى.
وبالتوازي مع تواصل بوبال مع فاتي وزميلاتها، عملت كارتر على محاولة توفير طائرة عسكرية لتنقل العالقات في كابل خارج البلاد، خاصة وأن الوضع الأمني يزداد سوءًا وخطورة مع إقامة طالبان لنقاط تفتيش في كل مكان.
وأرسلت خالدة رسالة لفاتي قال بها: يا فتيات، كن مستعدات للمغادرة إلى المطار معًا، حقيبة ظهر وحيدة لكل واحدة منكن، لا يمكنني إخباركن أنكن ستستطعن الدخول للمطار، لكن من يقاتل، ينجُ.
حينما حان الوقت كتبت فاتي رقم هاتف كارتر على ذراعها في حال مصادرة هاتفها، وأخبرتهن الأخيرة بأن يأخذوا طعامًا يكفيهن لـ3 أيام في حال تأخر صعودهن على متن الطائرة، مع الالتزام بزيّ طويل يغطي وجوههن أيضًا.
تواصل فاتي: وصلنا للمطار بأمان، لكن الوضع كان يائسا، كانت مسألة حياة أو موت، الجميع كان يحاول البقاء على قيد الحياة.
وعلى الجانب الآخر كانت كارتر تعلم أنه إذا لم يكن اسمك مدرجًا بإحدى القوائم، أو لم يكن هناك شخصًا داخل المطار أتى ليأخذك، فإنك لن تصعد إلى أي طائرة.
وكانت رسالة كارتر الأخيرة لفاتي وزميلاتها: سينتظركن رجل عند البوابة الشمالية، يجب أن تحضروا في الوقت المحدد، وتقلن له كلمة السر، سيفهمها ويصعد بكن إلى الطائرة دون أي أسئلة. كلمة المرور كانت اسم جندي "المارينز" في الحرب العالمية الثانية جون باسيلون مع تاريخ تأسيس سلاح المشاة البحرية.
صُدمت فاتي حينما وصلت للبوابة المتفق عليها، حاولت أن تخبر الجندي بكلمة المرور فقال لها: من أنتِ؟ لن تصعدي إلى أي طائرة بدون جواز سفر أميركي، وتُكمل: انتظرنا في الخارج وكان الجو حارًا للغاية، أطفال يصرخون: لا نريد أن نموت مع دويّ الرصاص، أعين الجميع كانت تنظر إليّ وكأنها تقول لي: توصلي إلى حل، فقررت أن نحاول مرة أخرى من البوابة الجنوبية، رغم وجود أكثر من نقطة تفتيش لطالبان.
"مع حرارة الجو وسحق الأجساد لبعضها وسط ضربات بنادق جنود طالبان للناس، بدأت أستسلم، لكنني تذكرت رسالة بوبال بأن من يقاتل ينجُ، شيء ما أضاء في الظلام وأخبرني أن أحاول مرة أخرى، أعدنا تجميع صفوفنا مرة أخرى، واستغللنا الإلهاء الذي استحوذ على انتباه جنود طالبان لنعبر من خلفهم، وجدنا بعض الجنود الأستراليين، وأخذنا نردد بعض الكلمات مثل كرة القدم، المنتخب الوطني، فسمحوا لنا بالعبور بعد فحص وثائقنا.
حينما أقلعت طائرة نقل عسكرية متجهة إلى أستراليا، تحمل فاتي وزميلاتها وبعض الرياضيين الأفغان البارالمبيين، قامت بإرسال "لقد فعلناها" إلى كارتر، لكن عقلها كان يخبرها بأنها لن تعود أبدًا للمكان الذي صنعت به ذكريات طفولتها الجميلة، إنها المرة الأخيرة.
في أستراليا تدربت فاتي وزميلاتها معًا لأول مرة في فبراير الماضي، بعدما وفّر لهن نادي ملبورن فيكتوري مرافق جيدة وطاقما تدريبيا كاملا.
تعلّق فاتي: لقد كان شعورًا رائعًا، استعدنا كل شيء مرة أخرى، وأحسسنا بأملٍ جديد.
في أبريل تم تعيين الويلزي جيف هوبكينز مدربًا لفريق ملبورن فيكتوري للسيدات، وتعادلت فاتي في أول مباراة لها منذ فرارها من كابول سلبيًا بدون أهداف ضد أحد الفرق المحلية، ولم يحمل قميصها مع أقمصة زميلاتها أي أسماء، فقط أرقامهن بالفريق، من أجل حماية هوياتهن وحتى لا يتعرضن لخطر التعرف عليهن والانتقام من أقاربهم هناك في أفغانستان.
ولا يزال مصير تمثيل فاتي لمنتخب بلادها مرة أخرى مجهولًا، إذ يتطلب الأمر موافقة الاتحاد الأفغاني لكرة القدم، ما يعني موافقة طالبان وهو شيء لا يتوقعه أحد، وتقول اللاعبة: إذا قال الاتحاد الآسيوي لكرة القدم إنه لن نتمكن من تمثيل المنتخب، فلا يهم لأن لدي زملائي في الفريق، لدينا بعضنا البعض، نحن بالفعل عائلة ولا يمكن لأحد تغيير هذا.
والتقت كارتر بفاتي في أستراليا في شهر أبريل: إنها شابة مذهلة، الشجاعة التي أظهرتها تلك المجموعة من الشابات لا تصدق، هؤلاء النساء هم أبطالي.
تعليقات