محمد الرميحي: الموضوع أكبر من الأمير!
زاوية الكتابكتب مايو 31, 2022, 3:53 م 699 مشاهدات 0
الملف الذي تناثرت أوراقه قبل أشهر في الأردن وقيل إنه تم لمهّا في إطار الأسرة الهاشمية المالكة، عاد وانفجر من جديد الأسبوع قبل الماضي. لمّ ملف الأسرة الحاكمة في البداية كان خبراً إيجابياً للمملكة الأردنية، ولكن أيضاً لدول الجوار التي أقلقها تناثر أوراق الملف، إلا أن تداعيات تناثر الأوراق ستبقى معنا لفترة، وقد تتناثر أوراق ملفات أخرى، كما في الأردن فجأة، لبلدان لها الظروف نفسها، فقد كان الحديث الدائر أن المخاطر عظيمة في منطقتنا على دول "الجمهوريات" ولكنها أقل على دول "الملكيات". ما حدث في الأردن يقرع جرس الإنذار!
لعل الأمر يمكن النظر اليه على مستويين، الأول ما أخرجته تلك الأوراق من تحليلات، كثير منها ما هو في إطار التمنيات وقليل منها في إطار الخوف، وما وفرته للمتربصين على الكيان الأردني من لمز وغمز وإثارة شكوك. والثاني السؤال المسكوت عن الإجابة عنه، وهو ما هي منظومة السلوك المتوخاة من عضو الأسرة المالكة في المملكات العربية؟ وهل تنظمها قواعد محددة ومعروفة للجميع، أم هي خاضعة لفهم العضو هذا أو ذاك واجتهاده وإلى الأعراف والتقاليد؟
اللغط الذي انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي وأيضاً عبر المؤسسات الإعلامية المرئية والمسموعة على مستوى عالمي وعربي يفتح الملف، فالأردن بلد محوري في الشبكة العربية التي تعاني من عدد من الجروح النازفة في محيطها، كما أنه يعاني من ضعف الموارد ونقص في التمويل بسبب ما رتبه الوباء على بعض الممولين السابقين من مسؤوليات محلية، وارتفعت بذلك نسبة البطالة والنقص في وفرة الموارد المتاحة، فهو إذاً يتحمل الكثير من الأعباء كدولة، ثم يأتي البعض مستفيداً من كل الظروف الصعبة ليلوح بحلول "سحرية" لوجع الناس، مدفوعاً، إما بطموح شخصي أو واقعاً تحت تأثير تحليل غير واقعي وربما معلومات خاطئة كي يبعثر الملف السياسي وينثر أوراقه على الملأ. ذلك ما جعل كثراً من المراقبين في الداخل والخارج يشعرون بقلق وتوجس، ما جعل دولاً وازنة كالمملكة العربية السعودية ومصر والإمارات والكويت، وحتى الولايات المتحدة وغيرها من العواصم تتخذ موقفاً سريعاً وحازماً في إبداء وجهة نظرها المؤيدة لاستقرار الأردن.
من جهة أخرى، كانت الأزمة فرصة لكل من له ضغينة سياسية في الأردن وخارجه على الدولة الأردنية وغيرها من الدول الملكية. هنا إشكالية مزايدة أحد (أو مجموعة من العائلة الحاكمة) بالقول المرسل، لو تغير فلان وأزيح من الحكم لتغيرت تلك المنقصات التي يواجهها المواطنون الى إيجابيات، مثل هذه الأقوال ليست مقصورة على الأردن، ولعل المتابع يلاحظها في عدد من الدول الملكية حيث يجهر بها بعض أبناء العائلة، بل ويشيعونها على وسائل الاتصال الحديثة، وتقع على عقول البسطاء باتجاه تصديقها ورفع درجة التذمر في المجتمع الى أقصاها من أجل التوجه الى المجهول. إضعاف صدقية النظام وثقة الناس به يتضاعفان عندما يأتي النقد من "أهل البيت" حيث يبدو أنهم "أخبر ومن الداخل"، وهنا تكمن المشكلة.
هذا ينقلنا الى السؤال الأهم في ظل الظروف المتغيرة اليوم في منطقتنا، وهو ما هي الضوابط، إنْ وجدت لعضو الأسرة المالكة، وهامش التحرك على المستوى السياسي وإلى أي حدود لأفرادها، أخذاً في الاعتبار التجربة التاريخية المرة في "اقتتال الإخوة" و"صراع أجنحة الأسرة" في معظم تاريخنا المعاصر.
خلفنا تاريخ من السلبيات في هذا الملف الشائك، وإنْ كان الزمن القديم قد بيّن لنا من دون شك أن مثل ذلك الصراع يذهب بريح كل الأسرة ويفقدها السلطان، فتجارب أخرى تقول لنا إنها كشفت الدولة للتدخل الخارجي وضياع الموارد وفقد الاستقلالية. في عصرنا، وهو عصر التنظيمات الحديثة، أصبح الأمر ملحاً لوضع مصفوفة من القواعد يلتزم بها عضو الأسرة على قاعدة: إنْ كنت ترغب في الاحتفاظ بالامتيازات عليك الخضوع أيضاً لمصفوفة القواعد التي توضع بالنأي عن التدخل في السياسة، والخيار الآخر أن تتخلى عن امتيازاتك وتصبح مواطناً عادياً يجري عليك ما يجري على المواطنين الآخرين في الصحيح والخطأ، أما أن ترغب بالاحتفاظ بالاثنين فذلك يقود الى الفوضى.
أن تكون عضواً في أسرة تحكم وتقوم في الوقت نفسه بتنظيم معارضة من نوع ما بالاصطفاف والاستعانة بقواعد شعبية رياضية أو فنية أو ثقافية أو سياسية أو دينية من أجل خلق مراكز قوى والقفز على المستقر وتجاهل النصوص القانونية التي ارتضاها الشعب والقواعد المنظمة للدولة أو الدستور المرعي، فذاك يعرض الدولة الى مخاطر.
هذه الإشكالية تواجه كثيراً من أسر الحكم العربية اليوم وواجهت أسراً قبلها لم تنظم قواعد حديثة لضبط سلوك أفرادها بعيداً من العرف والتقاليد، ثم جرها التسامح غير المنظم الى الصراع الذي يقود المجتمع الى الاستقطاب المضر.
نحن في عصر مختلف زادته وسائل التواصل الاجتماعي عمقاً في الاختلاف، وفي الغالب في هذا العصر كما تقول لنا الدراسات الموثقة أن "الأخبار الكاذبة" تنتشر ست مرات أسرع من الأخبار الصحيحة، لأن الأولى مشوقة وفيها المختلف الذي يتوق الناس الى تصديقه، وعندما تنتشر الإشاعة فذلك ضرر، وعندما تأتي من عضو في الأسرة يكون ضررها أعظم، فهو أقرب الى التصديق... هذا الملف يشغل بال متخذ القرار في الأسر الحاكمة، وأي منها ربما يعاني بالكثير أو القليل من تلك المنقصات من "الأقربين"، وبعضها يلجأ الى التسوية الموقتة والاسترضاء لتلك القلة المخالفة، إلا أنه طريق قد لا تستقيم معه الأمور على المدى الطويل.
الملاحظ أن "الآراء الشاردة" في تلك الأسر قليلة ولكنها تؤثر في بقية الأعضاء المنضبطين في الأسرة وتنال من سمعة الجميع وتفتح باب الشرور. من هنا فإن هذا الملف يحتاج الى إعادة زيارة فالتراخي فيه يقود الى خلل جسيم في المجتمع.
تعليقات