حسن العيسى: العقلية الرعوية تدير الدولة
زاوية الكتابكتب حسن العيسى مايو 21, 2022, 10:09 م 733 مشاهدات 0
تدار الدولة بثقافة رعوية، تسلم نفسها لصدفة الظروف، وتحيا للحظتها الحاضرة، أما غدها ورؤيتها وتخطيطها لهذا الغد فهو ليس بحسبانها، رعاة الغنم والإبل أبناء الصحاري فرضت عليهم الطبيعة أن ترتهن حياتهم لكرم السماء حين تسقط الأمطار النادرة فتدب الحياة بعضاً من الوقت، ثم تعود فترات الجفاف الطويلة كي يعاني منها ابن الصحراء، فيسلم بصبر أمره للقدر القاسي، وينظر للسماء باحثاً عن الغيوم ليلاحقها أينما ترحل.
لم يختلف تفجر النفط من الأسفل عن سقوط المطر من الأعلى، لكن شدة وبأس وصبر ابن الصحاري ليس له مكان عند جماعات رعاة النفط الرخويين، فالبحث والسعي عن مرعى وعن غيمة سارحة ليس من هم رعاة النفط، هم ينسون غدهم، ويغرقون في ترف الحاضر، ويصبح كل حديث عن الغد وعن الجفاف القادم ليس من شأنهم ولا من همومهم.
ارتفاع أسعار النفط الآن بعد الغزو السوفياتي لأوكرانيا هو الغيمة السوداء التي أنست "السلطة الراعية" الجواب عن سؤال "ما العمل" غداً؟ وهل تترك الأمور على حالها؟! حكومة تصريف العاجل من الأمور تكاد تصبح حكومة دائمة، لا مجلس نيابي يناقش ولا سياسة أو تخطيط للمستقبل، لا يوجد غير بالونات اختبارات ضحلة تطلقها "حكومة العاجل الدائمة"، لتشاهد ردود الفعل الشعبية عليها، كما فعل وزير التجارة في موضوع الخصخصة التي سرعان ما تراجعت عنها الحكومة بعد موجة النقد الشديد من عدد من التجمعات والنشطاء السياسيين.
كان الأولى على وزير التجارة أن يحدد مفهوم التخصيص الذي يعنيه من البداية، فليس من المعقول أن تخصص الدولة كل مرافقها وخدماتها العامة، مثل الصحة والتعليم والقطاع النفطي بكامله، فهذا يعد نوعاً من "نيو الليبرالية" المتغولة - تم الخلط بينها وبين الليبرالية الكلاسيكية كما هي مطبقة في دول الشمال الإسكندنافية - حين تترك تلك الأنشطة لفلسفة الربح والخسارة للقطاع الخاص المحتكر لعدد محدود من الأفراد التابعين في نشاطهم للإنفاق العام.
أيضاً، من الناحية الأخرى، ليس من المقبول طغيان الملكية العامة للدولة على معظم النشاط الاقتصادي، لنصل إلى الدولة التسلطية ومرضها الريعي، فكيف يمكن الصرف على مئات الآلاف القادمين لسوق العمل؟ وإلى متى يظل الباب الأول يبتلع معظم دخل الدولة؟ وإلى متى تبقى حالة الكوادر المالية الاسترضائية دائمة بدوام الفساد الثابت في عظام الدولة؟
حكومة تصريف العاجل من الأمور "الدائمة" هي اختلال دستوري قانونياً، وسياسياً هي ليست على مقاس التحديات التي تهز العالم اليوم، ما العمل مع سلطة البخاصة هذه؟!
تعليقات