علي البغلي: «قول للزمان.. ارجع يا زمان»

زاوية الكتاب

كتب علي البغلي 446 مشاهدات 0


عندما كنت صغيراً كانت والدتي، اطال الله بعمرها، تصر على والدي أخذي معه لمحل «البشوت» الذي يملكه ويديره في سوق البشوت والزل الذي يقع غرب المباركية، لأني اذا بقيت في المنزل فسأثير المشاكل مع اخواني وأولاد وبنات الجيران. كان من ضمن المهام التي أوكلها المرحوم لي، جلب الرسائل الواردة له في بريد الصفاة، الذي كان يقع في الارض التي تشغلها الآن المباني الرئيسية لبعض البنوك الكويتية الكبيرة. 

كنت أجلب ما ورد لوالدي من رسائل لأنها كانت وسيلة الاتصال الوحيدة لمن يسكن خارج الكويت لأهل الكويت، والغرض من الاتصال قد يكون اجتماعيا أو تجاريا... الخ. وبعد جلب الرسائل ان كان هناك رسائل... كنت أقف على الباب الرئيسي لمركز البريد الاول والوحيد في الكويت، أترجى وأطلب من حاملي الرسائل الواردة لهم أن يعطوني الطوابع التي أوصلت الرسالة من البريد الخارجي لبريد الصفاة الكويتي. وكان الاغلب من مستلمي الرسائل هم أصحابها أو «صبيان» -أي خدم- من هم أصحابها، كما كنا نسميهم، وكان أغلبهم يواجهني بابتسامة وينتزع الطابع من على وجه الرسالة، ويعطينيها وأشكره بحرارة على ذلك. 

لا أدري لماذا جالت تلك الافكار القديمة التي مر عليها عقود من السنوات، عندما أمر على مكاتب أو مراكز البريد في مناطقنا السكنية التي مر عليها عدة سنوات الآن، وهي مغلقة يعلو أبوابها وشبابيكها التراب والغبار. ووزارة المواصلات، منذ سنوات وهي تتفرج عليها، مع أنها -أي مكاتب البريد- كانت ستوظف عددا من الكويتيين أصحاب المؤهلات البسيطة فيها بدل أن يجلسوا في منازلهم، ينتظرون الغيث المالي للحكومات الكويتية الرشيدة الاخيرة، التي ابتلانا الله بها! 

*** 

سأكتب الآن عن صورة مستفزة لحكوماتنا الرشيدة منذ عقود من الزمان، ليس في نيتها تغييرها، لأن من شب على الشيء شاب عليه، خصوصاً وهي - أي حكوماتنا الرشيدة - أخيرا أصبحت ترتعد من ظلها اذا ما رُفع صوت أحدهم عليها، سواء كان زعيقه بالحق أو بالباطل! 

القصة ترجعني عقودا للوراء عندما كنت أعمل بعد تخرجي من كلية الحقوق -جامعة الكويت- بتقدير جيد جدا، في النيابة وكيلا للنائب العام، وكانت النيابة تشغل دورا واحدا في عمارة تجارية في منطقة الاسواق التجارية، ليصدر في أحد الايام أمر من النائب العام، المغفور له، فارس الوقيان، لي بترؤس مهمة اتلاف مشروبات ممنوعة تمت مصادرتها من جالبيها، فقمت بالاستعداد للمهمة مع انها كانت الأولى لي من نوعها، وإذ بسيارة النيابة تنقلني الى ميناء الشويخ لأركب قاربا صغيرا وانا مستغرب لهذه الأجواء، وعندما وصلنا لعرض البحر طلب منا مسؤول الجمارك الذي يحوز المشروبات، وكان القارب الصغير الذي ركبته فيه عدد من البحارة الذين استغربت وجودهم معنا، لأني كنت غير مستوعب للعملية التي سنقوم بها لإتلاف زجاجات المشروبات الروحية (الخمر)! وسرعان ما زال الشعور بالتساؤل ليحل معه شعور بالاستغراب! فقد أمر مسؤول الجمارك عماله او موظفيه بفتح زجاجات الخمر وسكب محتواها في البحر! فدُهشت لذلك، لأن الحكومة الرشيدة آنذاك تلوث بحرنا بإرادتها، وقد أُمرت أنا بالإشراف والشهادة على ذلك! 

*** 

الحكومة الرشيدة بعد أن كثرت كمية الخمور المصادرة غيرت مكان اتلاف محتويات زجاجات الخمر من البحر الى الصحراء الكويتية المبتلاة بنا وبحكوماتنا، فكانت الزجاجات بالعشرات تُرمى بالصحراء ليدهسها «تاركتور» ضخم.. فتروي رمال الصحراء بالخمور وفتافيت زجاجاتها! 

منذ أيام شاهدنا موظفي الجمارك والابتسامة تشق محياهم المشرق المسرور بضبط كمية 1400 زجاجة من الخمور المعروفة ويسكي (ريد ليبل – جوني ووكر) كما شاهدنا الصور بالصحف، التي تقدر قيمتها بسوق الكويت السوداء بما يزيد على مليون دينار، فتساءلت لماذا لا تقوم رشيدتنا التي تدعي العجز المالي هذه الايام بإعادة تصدير او بيع هذه الكمية لدولة خارجية مسموح بها تداول الخمور؟! 

ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.

تعليقات

اكتب تعليقك