د.محمد الرميحي: السفير ظريف الذي قال بعض الحقائق!
زاوية الكتابكتب د. محمد الرميحي مايو 7, 2022, 7:03 م 502 مشاهدات 0
كتاب السفير ووزير الخارجية السابق لجمهورية إيران محمد جواد ظريف، الذي صدر بالعربية مترجماً من قبل الدكتور محمد العطار، والناشر «مركز أوال للدراسات»، عبارة عن حوار قام به محمد مهدي راجي مع ظريف، كما يبدو في الفترة التي كان ظريف فيها قد خرج من العمل الدبلوماسي الإيراني، وقبل أن يعود وزيراً للخارجية مع حكومة حسن روحاني. في هذه المرحلة، أي بين وظيفتين، يبدو أن ظريف كان قد قطع جزئياً مع النظام بعد أن خدم كدبلوماسي (أولاً متطوعاً) وبعدها رسمياً في بعثة إيران في الأمم المتحدة، يبدو أن ظريف من المحظوظين، فحتى خدمة العلم الإلزامية قضاها ظريف «مجنداً في الخارجية»!!
قراءة الكتاب تبين مجموعة من الحقائق، جلها تعبر عن الصراع في أروقة الحكم الإيرانية بعد الثورة، وكيف كانت تدار العلاقات الخارجية من رجال تقريباً عديمي التجربة. ظريف درس في الولايات المتحدة منذ الصغر، وكان من الطلاب المناهضين لحكم الشاه وكانوا كثيرين في تلك البلاد بألوان ونكهات مختلفة؛ منها النكهة الدينية التي كان ظريف يناصرها. الكتاب أكثر قليلاً من 460 صفحة فيه معلومات وافرة عن شخص ظريف وأخرى عن المشهد العام.
هناك محطات لها علاقة ربما بالحاضر أو على الأقل يلقي لنا بعض الضوء على ما جرى في فترة طويلة من الصراع في حوض الخليج، منها الحرب العراقية - الإيرانية، ومنها احتلال العراق للكويت.
يمكن أن نلاحظ أن ظريف يصف كيف صعد الخميني إلى التوحد بالسلطة من خلال أولويات، فلم تكن أولوياته القضاء على الشيوعيين مثلاً ولا حتى على أنصار الشاه، بل كانت أولويته (كما يروي لنا ظريف) القضاء على الحركات الإسلامية المناهضة لفكرة ولاية الفقيه، حتى لو كانت تدعو للتخلص من حكم الشاه، كان أكبرها «الجمعية الخيرية المهدوية» التي أسسها محمود حلبي عام 1953 بهدف الدفاع عن الإسلام، وإعداد أرضية لظهور الإمام المهدي؛ هذه الجمعية وغيرها كانت ترتكز في دعواها لعدم جواز قيام حكومة «إسلامية» على قول مأثور عن الإمام الصادق والقائل «كل راية ترفع قبل قيام القائم، فصاحبها طاغوت يعبد من دون الله» (للفكرة صدى لدى بعض من السلف مثل ناصر الدين الألباني القائل «من السياسة ترك السياسة»)! تلك المجموعات الثورية الإسلامية الإيرانية كانت أول من تم تصفيته، وذهب ضحية كثير من هذا التيار على يد «الثورة الجديدة»، إلا أن قيام الإمام بالحكم الدنيوي يضع أصول الفكرة الشيعية السياسية موضع «الحيرة» على الأقل، فالدولة الحديثة واجبها تحسين حال الناس والعناية بالشعب، وإن تم ذلك تأخر الظلم الذي يجب أن يتراكم لخروج المهدي.
هذا التناقض لا يزال قائماً بين المدرستين في الفضاء السياسي الإيراني. يرى بعض الدارسين الإيرانيين، كما يبين الكتاب في صفحة 36، أن عدداً لا يستهان به من أعضاء المدرسة التقليدية قد تغلغلوا في نظام الجمهورية الإسلامية يدفعونها حثيثاً لأن تكون أكثر ضرراً للناس لتسريع ظهور الغائب!!
ينحو ظريف باللائمة على العاملين في وزارة الخارجية من حيث الشكل ومن حيث الموضوع، فيرى أن ملابسهم لم تكن مناسبة، «ملابس الملالي» كما يسميها، «الملابس الشرعية» كما يصفها!! وأما تدريبهم فهو محدود وأغلبهم لا يتكلم لغة غير الفارسية، بكلماته «كانوا عديمي الخبرة ولا يعملون من خلال مؤسسات، فلم تنقل التجارب من أشخاص إلى آخرين» للاستفادة منها!
يسرد الكتاب دور ظريف في القرار الأممي 598 الذي وضع أوزار الحرب بين إيران والعراق، والمفاوضات التي سبقت القرار ولحقته، ويعترف ظريف بدور ولى العهد السعودي الأمير عبد الله بن عبد العزيز (الملك فيما بعد) في الوصول إلى وقف إطلاق النار. ومن أظرف ما يروي في هذا المجال قوله إنه بعد تردد إيران في قبول القرار (الذي قال عنه الخميني لاحقاً إنه تجرع السم) كانت هناك مشاورات لاحقة بأن يُتبع القرار بقرار أشد منه بسبب صدوره اعتماداً على الفصل السابع، وقابل المندوب السوفياتي، ظريف، وقال له: في الأسبوع القادم سوف يصدر قرار ضدكم، وقد بلغت من موسكو ألا أعترض عليه! قلق ظريف من هذه الأخبار، وقرر أن يبادر بأن يبدي موافقته على القرار حتى لا يُصعد المجتمع الدولي ضغطه على إيران! والعجيب أنه في الوقت نفسه ترسل موسكو وفداً من المخابرات إلى إيران، يدعي ذلك الوفد «أن وفد الجمهورية الإيرانية في نيويورك» يعمل لصالح الأميركان! مما تسبب في ضرر بالغ لشخص ظريف وتابعته تهمة «العمالة لأميركا» حتى في خطب الجمعة في طهران!! كما يروي.
أما التشدد فيصفه في مكان آخر، عندما احتاجت إيران أن تخفف من الضغوط الدولية حول موضوع حقوق الإنسان، يقول «اتفقنا مع السكرتيرة الأولى لهنغاريا على اللقاء» من أجل شرح موقف إيران، و«لما امتنعت عن مصافحتها» قالت... «ليس لدي حديث معكم. مجرد طلبكم مقابلتي إهانة»!! يصف ظريف جهوده التي نجحت في إصدار تقرير أممي بأن «العراق هو المعتدي» في الحرب الإيرانية - العراقية، وقد أكد ذلك من طرف آخر مندوب الكويت لدى الأمم المتحدة السيد محمد أبو الحسن في كتابه الذي صدر أخيراً بعنوان «حقائق وخفايا» الذي يسرد فيه تجربته في الأمم المتحدة.
يرى ظريف أن صدام حسين قرر غزو الكويت، عندما وجد أنه غير قادر على تغيير معاهدة الجزائر التي وقعها مع نظام الشاه، كان يرغب في أن يكون له مطل أوسع على البحر، فشله في إرجاع شط العرب - كما يعتقد ظريف - جعله يقرر غزو الكويت كما استنجد بإيران، التي كان البعض فيها «متعاطفاً» معه ومع احتلال الكويت! ولا يخفى في الكتاب النفس «الاستعلائية» ضد العرب، إذ قال إن دولاً كثيرة تحترم إيران ولكنها لا تفعل مع العرب!!
نقده للتشدد في العمل الدبلوماسي يلخصه في أنه ليس البر أن تطلق شعر ذقنك وتداوم على الصلاة... الأهم هو أن تعرف كيف تتكيف مع المحيط وتفهم طبيعة العلاقات الدولية. ربما تلك النصائح قادت ظريف للوصول إلى الاتفاق النووي عام 2015، ولكن ما يشكو منه ظريف لا يزال قائماً؛ اضطراب في رسم العلاقات الخارجية، التي كثيراً ما تُخرب نتيجة الصراع الداخلي الساعي وراء الشعبوية!!
آخر الكلام:
ظريف ينصح زملاءه في الدبلوماسية الإيرانية: لا تصادق أحداً، فقط مثّل أنك صديقه!!
تعليقات