محمد الرميحي: بعض من معركة الوعي العربي!

زاوية الكتاب

كتب 557 مشاهدات 0


المشهد العربي أقل ما يمكن ملاحظته فيه أنه منقسم، سواء في البلد الواحد أم بين الدول، و الانقسام قادم أساساً من الموقف تجاه القضاياالعامة المطروحة على الساحة العربية، وهي إما محلية كالقضية الفلسطينية وما جاورها من قضايا لها علاقة بالصراع الداخلي في كل بلد،أو دولية كالحرب في أوكرانيا و ما جاورها من قضايا الاصطفاف بين الشرق و الغرب. وهو انقسام في أساسه معرفي وفي فرعه الكبير  كيفية تشكل الوعي، وهو مرضي وليس صحياً! لذلك فلا توجد في الغالب منطقة وسط يمكن الركون إليها من أجل فهم المشكلة التي تناقش،ومن ثم التوافق عليها باقل التكاليف. 

تلك مقدمة أريد ان اضع تفاصيلها في بعض المظاهر العليلة للوعي العربي:

أولاً: جاء من مصدر إعلامي فضائي منتشر بين المتلقين العرب الآتي: إن طهران أرسلت إلى إسرائيل عبر دولة أوروبية صوراً و خرائطلمخازن الأسلحة النووية الإسرائيلية.  ويكمل الخبر أن معظم الصور أرضية و ليست فضائية، ووضعت إشارات حمر على جدران مواقعالأسلحة الإسرائيلية.  ويضيف أن طهران أكدت أن المخازن و المنشأت ستكون هدفاً إذا قررت إسرائيل إشعال حرب! ووصلتني مع الخبرإشادة ضحمة على هذه الخطوة من أشخاص لا اشك في سلامتهم العقلية. إذاً الخبر من مصدر عربي واسع الانتشار هدفه الشارعالعربي المتعطش إلى أي إشارة الى حرب وربما التخلص من إسرائيل نهائياً.

إلا أن التوقف العقلي و العلمي عند هذا الخبر المفرح لمعظم من وزعه، بمن فيهم محرر الخبر (الهمام) أن لا دولة فيها ذرة من عقل تفصحلعدوها أين ستكون ضربتها، بخاصة ان العداء بينهما ليس سراً فهو معروف، ثم إن كانت الصور،كما ذكر الخبر، أرضية فهناك من التقطها،وهي إشارة الى أن بينكم جواسيس ابحثوا عنهم !! طبعاً الخبر برمته لا يصدقه عاقل، حتى لو كان لا يعرف شيئاً عن استراتيجية الحروب. على سبيل المثال حشدت روسيا عشرات الآلاف من جنودها بدءاً من مطلع هذا العام على الحدود الأوكرانية، وفي الوقت نفسه كانت تؤكدللقاصي و الداني أنها لن تقوم باجتياح الدولة الجارة حتى آخر لحظة، فالحرب جزء منها خدعة. لم يتوقف منشئ الخبر و لا موزعه و لامستقبله أمام تلك الحقائق البسيطة في التفكير وساقه عجزه الفكري إلى أن يؤكد لنفسه وعياً زائفاً أراد تصديقه لإراحة نفسه ! 

ثانياً: المثال الثاني الذي تمكن ملاحظته ان معظم مؤيدي الاجتياح الروسي لأوكرانيا من العرب، يركزون في كتاباتهم على المهنة السابقةللرئيس الاوكراني وهي ممثل!! وهنا يتضح الازدراء الثقافي المقرون بالجهل، فواحد من أهم حكام أميركا، رونالد ريغان كان ممثلاً درجةثانية، وكثير من زعماء العالم كانت لهم مهن بسيطة، حتى السيد فلاديمير بوتين عمل في جزء من حياته سائق تاكسي، كما عمل رئيس وزراءبريطانيا الأسبق جون ميجور  قاطع تذاكر في الحافلات العامة! وتلك امثلة من غيرها كثير.

الى جانب كل ذلك، فإن السياسي لا بد من ان يجيد التمثيل!! ومعظمهم كذلك، على المستوى الأدنى او على المستوى الأعلى! والحط من قدررئيس الجمهورية الأوكرانية باعتباره ممثلا سابقا له ربما صداه السلبي في الثقافة العامة التي تعتبر ان التمثيل مهنة يُعيب بها، و يدل ذلكالى غفلة ثقافية للقائل اكثر منها عيب في السياسي!  ولكن ذلك جزء من تغييب الوعي! 

ثالثاً: المثال الثالث، الكثير مما يكتب في القضية الأوكرانية من جانب المعلقين العرب هو في الغالب كره للسياسة الأميركية و ليس حباً فيالسياسة الروسية!، وقد يكون لدى بعضهم الدافع المبرر لذلك، ولكنه مبرر عاطفي و ليس عقلانياً أو حتى مصلحيا على المدى الطويل، إلا أنهذا الموقف المؤيد هو خارج سياق العقل الموضوعي. صحيح ان هناك الكثير مما ينتقد في السياسة الاميركية، لا جدال في ذلك، الا ان نقطةالارتكاز هي اجتياح دولة لأخرى بهدف الالحاق و الضم! وهي سابقة لو تركت من دون مقاومة فان الخلل سيصيب كل العلاقات الدولية،ويصبح من حق دولة أقوى أن تجتاح دولة أضعف من أجل ضمها، تحت تلك الذرائع و هي كثيرة، ومنطقتنا هي الأكثر تعرضاً لتكرار تلكالسابقة ان تركت من دون مقاومة. هنا اذاً ليس الموضوع حب الغرب أو كرهه، هنا قضية مبدئية تتحكم فيها المصالح لا العواطف! فلا وروسياإن انتصرت ستحرر فلسطين ولا هي بقادرة على الدفاع عن الآخرين في أقصى الأرض، بل تقدم مصالحها أولاً، وقد تشجع من ترغب بفعلفعلها نفسه في أقاليم مختلفة، منها إقليمنا، حتى يتفرق الدم بين الشركاء !! فالموقف ضد الاجتياح هو موقف مع النفس وليس مع أميركاوالغرب،كما انه موقف مضاد للشمولية.

الشمولية تريد الآخرين على مقاسها، لذلك تتدخل روسيا في الانتخابات الغربية ( الفرنسية و الأميركية) لتحويلها من ديموقراطية ليبرالية الىديموقراطية لاليبرالية  يسهل التحكم فيها من مجموعة صغيرة من البشر، كما تتدخل في سوريا وجزء من أفريقيا و أميركا الجنوبية،فمشروعها أكبر من أوكرانيا!

خلاصة الأمر في الأمثلة السابقة، وهي من بين الكثير من الأمثلة، أن تشكيل الوعي السياسي في فضائنا الثقافي في الغالب هو تشكيلعاطفي، يصدق ما يرغب فيه من دون إعادة فحص و عرض الموضوع على العقل حتى تتبين أسباب الانحيازات التي لا يبدو أن لها قريبحل، هي صور نمطية تتكرر ويتكرر الاصطفاف مع الشريك الخطأ، وكأننا بإصرار نعيد ارتكاب اخطائنا!!

تعليقات

اكتب تعليقك