خيرالله خيرالله: إسرائيل والهرب من الاستحقاق الفلسطيني

زاوية الكتاب

كتب خيرالله خيرالله 389 مشاهدات 0


تعكس الأحداث الخطيرة التي تشهدها مدينة القدس في هذه الأيّام، خصوصاً في محيط المسجد الأقصى وحرمه، مدى قصر نظر السياسة الإسرائيلية عندما يتعلّق الأمر بالقضيّة الفلسطينية.

تمتلك إسرائيل سياسة على صعيد الإقليم تتميّز بالقدرة على استيعاب المخاطر بكلّ أشكالها من جهة وإقامة تحالفات جديدة فرضتها التحديات التي يمثلها المشروع التوسّعي الإيراني من جهة أخرى.

ولكن عندما يتعلّق الأمر بالفلسطينيين وقضيّتهم، وهي قضيّة شعب واقع تحت الاحتلال، تبدو إسرائيل دولة عنصريّة لا تمتلك أي مخيلة من أي نوع تسمح لها بتحقيق تقدّم في مجال التوصّل إلى تسوية تاريخيّة لقضيّة لا تستطيع تجاوزها إلى الأبد.

بدل أن تعمل الحكومة الإسرائيليلة برئاسة نفتالي بينيت على استيعاب الأحداث في القدس، نراها لا تبالي بالاستفزازات التي يقوم بها الإسرائيليون المتطرفون ورجال الشرطة في شهر رمضان.

يشكّل ذلك تحدّياً تعجز إسرائيل عن مواجهته، وهو من نوع التحديات التي تجعل كلّ دولة عربيّة أقامت علاقات معها تتخذ موقفاً حذراً منها في وقت تبدو الحاجة إلى بناء ثقة متبادلة.

ليس ما يدلّ على ذلك أكثر من سلسلة مواقف اتخذتها دول عربيّة عدّة حملت السلطات الإسرائيلية مسؤولية الاعتداء على مصلين وزوار للمسجد الأقصى.

كان لافتاً الموقف الأردني. لم يتردّد الملك عبدالله الثاني في دعوة إسرائيل إلى وقف الإجراءات الاستفزازية في القدس، مؤكدا ضرورة «احترام الوضع التاريخي والقانوني» القائم في المسجد الأقصى.

وأكّد أنّ «الحفاظ على التهدئة الشاملة يتطلب احترام إسرائيل للوضع التاريخي والقانوني للحرم القدسي الشريف، وإيجاد أفق سياسي حقيقي يضمن تلبية جميع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني على أساس حل الدولتين».

كان لافتاً أكثر الموقف المغربي من «الاعتداء الصارخ» الذي تمارسه القوات الإسرائيلية ‏على المسجد الأقصى.‏

ذكر بلاغ لوزارة الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة ‏المقيمين في الخارج، أن المملكة المغربيّة تعرب «عن إدانتها الشديدة واستنكارها ‏القوي لإقدام القوات الإسرائيلية على اقتحام المسجد الأقصى ‏وإغلاق بواباته ‏والاعتداء على المصلين العزل داخل المسجد وفي باحاته ‏الخارجية، ما ‏خلف عددا من المصابين».‏

أضاف البيان أن المملكة تعتبر أن «هذا الاعتداء الصارخ والاستفزاز الممنهج ‏خلال شهر رمضان المبارك على حرمة المسجد الأقصى ومكانته في ‏وجدان الأمة الإسلامية، من شأنه أن يقوي مشاعر الحقد والكراهية ‏والتطرف وأن يقضي على فرص إحياء عملية السلام في المنطقة».

إن دلّ الموقفان المغربي والأردني على شيء، فهما يدلان على ان إسرائيل ترفض مراعاة دول عربيّة لم تتردد في إقامة علاقات طبيعية معها.

تجهل الحكومة الإسرائيلية انّ المملكة المغربيّة ليست من نوع الدول التي ترفض التخلي عن مبادئ كانت دائماً في صلب سياستها الخارجيّة.

من بين هذه المبادئ دعم القضيّة الفلسطينية وتوفير المساعدات للشعب الفلسطيني حين تدعو الحاجة إلى ذلك.

يؤكّد ذلك المساعدات الطبيّة والغذائية التي قدمها المغرب إلى الفلسطينيين في غزّة في الحرب التي وقعت قبل سنة والتي تسببت بها استفزازات إسرائيلية لسكان حيّ مقدسي.

فوق ذلك كلّه، تنسى إسرائيل ان الملك محمّد السادس يرأس لجنة القدس ولم يتخلّ يوما عن تقديم كلّ ما يستطيع من أجل ان تكون القدس مدينة سلام وأن تكون القدس الشرقيّة عاصمة للدولة الفلسطينية المستقلّة.

بالنسبة إلى الأردن، لم تتراجع اسرائيل يوما عن الاعتراف بالرعاية الهاشميّة للاماكن المقدّسة الاسلاميّة والمسيحيّة في القدس.

لكنها فعلت، خصوصا أيّام بنيامين نتنياهو كلّ ما في وسعها من أجل الإساءة إلى الدور الأردني الذي يصبّ في مصلحة الاعتراف والاحترام المتبادلين بين كلّ الديانات السماويّة.

كان الامل كبيراً في انّ تسير الحكومة الإسرائيلية الحاليّة في خط مختلف عن ذلك الذي اتبعه «بيبي»، خصوصا أنّ دولاً عربيّة عدّة، في مقدمتها مصر فتحت أبوابها لبينيت وكبار المسؤولين الإسرائيليين وفتحت مجالات للتعاون في كلّ ما من شأنه خدمة السلام والموقف المشترك من التحديات الإقليمية.

خلاصة الامر انّ إسرائيل لا تسيء إلى علاقاتها مع الدول العربيّة التي انفتحت عليها فحسب، بل تسيء إلى نفسها أيضاً.

مهما وقع من أحداث في المنطقة، تظلّ القضية الفلسطينية حاضرة ويظلّ الشعب الفلسطيني موحّدا على الرغم من كلّ ما تقوم به حركة مثل «حماس» وتوابعها، وضعت نفسها في خدمة المشروع الإيراني في المنطقة.

في نهاية المطاف، ليست القضيّة قضيّة القدس وما تمثلّه لدى المسلمين والمسيحيين في العالم فقط.

القضيّة أيضا، قضيّة قصور سياسي إسرائيلي لا تعوضه كلّ الأسلحة المتطورة والتكنولوجيا والقوّة التي تمتلكها هذه الدولة.

ثمّة سؤال في غاية البساطة يختزل هذا القصور: ما الذي ستفعله إسرائيل بما بين سبعة وثمانية ملايين فلسطيني يعيشون بين البحر المتوسّط ونهر الأردن (مليونان في غزة وما يزيد على مليونين داخل إسرائيل نفسها وما يزيد على ثلاثة ملايين في الضفّة الغربيّة)؟

هل تستطيع إسرائيل إذابة هؤلاء أو محوهم من الوجود؟

الجواب أنّ لا حل آخر غير الحل السياسي الذي يعترف بحقوق الشعب الفلسطيني ويأخذ في الاعتبار الوضع الخاص للقدس.

هل في استطاعة إسرائيل التصالح مع المنطق في ما يخصّ الفلسطينيين... أم ستبقى تهرب من هذا الاستحقاق الحاضر أكثر من أي وقت، على الرغم من انشغال العالم بقضايا كبيرة بحجم الحرب في أوكرانيا ونتائجها الخطيرة على مجمل العلاقات الدولية؟

تعليقات

اكتب تعليقك