خيرالله خيرالله: من تهاون مع الروسي في سورية... لا تفاجئه أوكرانيا!

زاوية الكتاب

كتب خيرالله خيرالله 301 مشاهدات 0


تكمن خطورة ما فعله فلاديمير بوتين، في نقله الحرب الى قلب أوروبا.

في الواقع، نقل أوروبا من مكان إلى آخر في لمحة بصر بمجرّد اتخاذه قراراً بغزو أوكرانيا في 24 فبراير الماضي، أعاد احياء مخاوف كان الأوروبيون يعتقدون أنّها زالت إلى الأبد مع هزيمة النازيّة وانتهاء الحرب العالميّة الثانيّة في العام 1945.

كان العالم يتغاضى في الماضي عن مجازر تحدث هنا أو هناك أو هنالك خارج اوروبا، من نوع مجزرة مدينة حماة السوريّة في فبراير 1982.

هذه المجزرة التي ذهب ضحيتها ما يزيد على 20 ألف مواطن سوري على يد النظام العلوي الذي أقامه حافظ الأسد.

كانت تلك المجزرة بمثابة وضع للحجر الأساس للنظام السوري الحالي الذي يشنّ منذ العام 2011 حرباً واسعة على شعبه.

شملت الحرب، التي ما زالت دائرة منذ 11 عاما، تدمير أجزاء من مدن سوريّة أخرى فيما يقف العالم، ولا يزال، متفرّجا.

ليس صدفة ان يكون بوتين طرفا أساسيا، إلى جانب ايران، في الحرب على الشعب السوري.

قبل غزوه لاوكرانيا، جرّب أسلحة الدمار التي يمتلكها في سورية. اعترف بذلك علنا عندما اكّد في سياق ابداء إعجابه بالترسانة العسكريّة الروسيّة أنّ سورية كانت أفضل حقل تجارب لما تحويه هذه الترسانة.

عندما بدأت يوغوسلافيا بالتفتت، مطلع تسعينات القرن الماضي، سارع الغرب إلى احتواء الموقف.

وقعت مجازر عدّة في يوغوسلافيا السابقة، لكنّ اميركا وأوروبا استطاعتا في نهاية المطاف ممارسة ما يكفي من الضغوط السياسيّة والعسكريّة كي يجري تقسيم يوغوسلافيا وكي يقف الصرب عند حدودهم بعدما صارت عاصمتهم بلغراد نفسها مهدّدة.

تبدو الحرب الاوكرانيّة طويلة في عالم يكيل بمقياسين... مقياس لاوروبا وآخر لخارج أوروبا.

يؤكّد وجود مثل هذين المقياسين الردّ الأوروبي على غزو روسيا لاوكرانيا، خصوصا بعد التأكّد من المجازر التي ارتكبتها قوات روسيّة قبل انسحابها من مناطق قريبة من كييف.

تلجأ دول اوروبيّة حالياً إلى طرد ديبلوماسيين روس من أراضيها من منطلق ان العلاقات مع موسكو لم تعد تهمّها لا من قريب او بعيد.

دولة مثل اليونان راعت دائما روسيا اتخذت تدابير في حق ديبلوماسيين روس!

ما نشهده الآن نقطة تحوّل على الصعيد الأوروبي، خصوصاً بعدما اتخذت دول عدّة قرارات تقضي بإعادة الاعتبار لجيشها ولترسانتها العسكريّة.

لا يقتصر الامر على دول اوروبيّة فقط. قررت الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا التعاون في مجال انتاج صواريخ جديدة أسرع من الصواريخ الحالية.

تدرك الدول الثلاث أنّها مقصرة في هذا الحقل. اكتشفت التقصير عندما استخدم الروس صاروخاً من هذا النوع السريع في أوكرانيا.

كذلك، اكتشفت ان الصين متقدمة عليها في انتاج مثل هذه الصواريخ التي لا تمتلك بريطانيا، أقلّه إلى الآن، أيّا منها!

بعد حرب أوكرانيا، تغيّرت أوروبا كلّيا.

لا يتوقف المسؤولون الاوربيون عن ترديد انّهم لن يسمحوا بانتصار روسي وهزيمة اوكرانيّة في وقت قرّر بوتين اعتماد خطّة جديدة مختلفة في ضوء فشله في الاستيلاء على كييف.

بدأ سحب القوات الروسيّة التي كانت تطوّق كييف.

كشف ذلك مدى وحشيّة هذه القوات وتوقها الى ارتكاب مجازر على طريقة نظام بشّار الأسد.

لم يكن ما حدث في مدينة بوتشا التي تبعد نحو 40 كيلومترا عن كييف سوى مثال على الممارسات الروسيّة التي لا تذكر سوى بممارسات المانيا النازيّة ثم ممارسات ستالين في داخل الاتحاد السوفياتي نفسه.

إلى أيّ حد ستتغيّر أوروبا التي سيتوجب عليها إعادة النظر في كلّ استراتيجياتها، بما في ذلك الانفاق العسكري؟ هل ينسحب ذلك على المناطق القريبة من أوروبا، مثل الشرق الأوسط والخليج وشمال افريقيا؟

ليس في استطاعة أوروبا الاكتفاء بالاهتمام بنفسها ومستقبل حلف شمال الاطلسي... والبقاء بعيدة عن الضفّة الأخرى من البحر المتوسّط حيث يسعى بوتين، بالتحالف مع ايران، الى لعب دور القوّة العظمى وتحقيق الحلم القيصري الروسي القديم بالتمدّد الى المياه الدافئة.

لولا سكوت العالم عن التدخل الروسي المباشر في سورية ابتداء من اواخر سبتمبر 2015، لما كان بوتين تجرّأ على خطوة غزو أوكرانيا حيث مشاهد الرعب ماثلة أمام العالم كلّه.

لم يوجد، لا في أوروبا ولا في الولايات المتحدة من يضع حدّا لما ارتكبه الروسي في سورية.

قبل ذلك، لم يوجد من يسأل ماذا يفعل الإيراني وميليشياته في سورية، ولماذا استعان الراحل قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الإيراني، بالجانب الروسي في نهاية صيف 2015 عندما اكتشف ان سقوط النظام السوري الأقلّوي بات أمراً وارداً!

واضح انّ كلّ دولة اوروبيّة باتت تشعر نفسها مهدّدة.

لولا ذلك لما انضمت اليونان... أو اسبانيا الى نظام العقوبات على روسيا.

اكثر من يشعر نفسه مهدّدا هو دول البلطيق (لاتفيا واستونيا وليتوانيا) التي كانت في طليعة الجمهوريات السوفياتيّة التي تمرّدت على موسكو مع سقوط جدار برلين في نوفمبر 1989.

توقّع الخبراء في سياسات الكرملين وقتذاك بانّ تأتي نهاية الاتحاد السوفياتي من الجمهوريّات الاسلاميّة الآسيوية التي كان يضمّها.

لكن الواقع أثبت أن تكهنات هؤلاء الخبراء، بمن في ذلك الفرنسيّة ايلين كارير دونكوس التي كانت أكثرهم شهرة، لم تكن في محلّها.

ولدت الثغرة في جمهوريات البلطيق التي اخذت مبادرة الانفكاك عن الأخ الأكبر في موسكو... هذه الجمهوريات جزء من أوروبا وليست في قارة أخرى.

هل تهتمّ أوروبا بغير أوروبا، أي بما يدور في الشرق الأوسط والخليج تحديداً حيث طموحات في غاية العدائيّة لايران؟

ذلك هو السؤال الذي سيطرح نفسه في عالم يتبيّن كلّ يوم ان مشاكله وأزماته مرتبطة ببعضها البعض بقوّة.

يُفترض بمن تهاون مع المجازر التي ارتكبها النظام الروسي، الذي على رأسه بوتين، في سورية... ألّا يتفاجأ بما يحدث حالياً في أوكرانيا لا أكثر. وهذا الكلام برسم الأوروبيين قبل غيرهم!

تعليقات

اكتب تعليقك