محمد الرميحي: العالم يرتعد... ما هو السبب؟!

زاوية الكتاب

كتب د. محمد الرميحي 334 مشاهدات 0


تتطاير أخبار بعد شهر من الغزو الروسي لأوكرانيا عن احتمال استخدام أسلحة غير تقليدية (الكيماوية أو البيولوجية) في الحرب القائمة، أو ما قد يكون وارداً مع توسعها. في الحرب كل شيء محتمل، الثابت في الحروب أنك يمكن أن تطلقها، ولكن لا تستطيع أن تعرف متى تنتهي أو على أي شكل!
 
الاحتمالات تقول لنا إن من يدخل الحرب ويجد نفسه محشوراً في زاوية صعبة قد لا يتأخر عن استخدام ما يعتقد أنه يخرجه من تلك الزاوية، بخاصة إذا كان في نظام شمولي لا يساءل. التقدير العقلي أن القيادة الروسية بنت مغامراتها في أوكرانيا على افتراضين، الأول أنها حرب قليلة التكلفة وقصيرة في الزمن، وأن الكثير من الأوكرانيين سيستقبلون الجيش الروسي بالأحضان، وكلا الافتراضين تبين خطأهما بعد أربعة أسابيع من الحرب، اذ تطورت المعارك حتى أصبحت تعتمد سياسة "الأرض المحروقة"، كما أن رد فعل المعسكر الغربي لم يحسب بشكل دقيق. اعتقدت القيادة الروسية أن "حج" الرئيس الفرنسي والمستشار الألماني الى موسكو هو ظاهرة ضعف وكأن التاريخ يكرر نفسه في "حج" نيفيل شامبرلين رئيس وزراء بريطانيا الى برلين قُبيل الحرب العالمية الثانية وتوقيعه معاهدة ميونيخ التي اعتقد أنها ردعت أطماع أدولف هتلر!
 
الحديث الآن هو عن إمكان استخدام الأسلحة غير التقليدية، وقد مهد لها الإعلام الروسي بالقول إن "هناك مختبرات تُمولها الولايات المتحدة في أوكرانيا، تقوم بتجارب كيماوية لإطلاقها على الجنس الروسي"! ثم تصاعدت حرب التصريحات بإطلاق إشارات من البيت الأبيض عن أن احتمال استخدام الروس الأسلحة غير التقليدية ممكن الحدوث! هذه التصريحات المتواترة تشير الى أن الاحتمال الذي يجري الحديث حوله يمكن أن يبدأ في أي وقت!
 
اكتشفت الغازات السامة قبل فترة من بدء الحرب العالمية الأولى، إلا أن السياسيين والعسكريين لم يكونوا يقبلون باستخدامها سلاحاً في الحروب من منطلق أخلاقي. في الحرب العظمى الأولى تتردد المصادر في حسم أن كان أي من معسكر الحلفاء أو الألمان هم من أول من استخدم الغازات السامة في الحرب، وكانت في وقتها أقل ضرراً مما تطورت عليه بعد ذلك. في أيلول (سبتمبر) 1915 استخدم الجيش البريطاني نوعاً من الغاز السام ضد صفوف الأعداء، وهبت ريح مضادة أعادت الغاز الى الجنود البريطانيين! ثم تطور الأمر باستخدام الألمان غاز الكورين ونقله من بعد في قذائف، إلا أن اللافت أن عالِماً ألمانياً من الديانة اليهودية طور غازاً لا رائحة له ولا مذاق هو غاز "زيكلون بي" لمساعدة وطنه على كسب الحرب، الغاز نفسه استخدمه النظام النازي إبان الحرب العظمى الثانية لإبادة بني جلدته في أفران الغاز الرهيبة!
 
تقدر المصادر أن هناك مليوناً ونصفَ مليون من البشر قضوا بسبب استخدام الغاز في الحرب العالمية الأولى، وكان أكثرهم من الجيش الروسي، ما عجل بسقوط الإمبراطورية الروسية وقتل القيصر نيقولا الثاني وظهور النظام السوفياتي!
 
بعد الحرب الأولى وفي مؤتمر جنيف الثالث عام 1925، اتفقت الأمم على تحريم استخدام الغازات السامة في الحروب، إلا أن ذلك الاتفاق كما هو متوقع تم اختراقه، فقامت إيطاليا باستخدامه ضد الأثيوبيين عامي 1935 و 1936، واستخدمته اليابان ضد الصين عام 1941، واستخدمه البعثيون في العراق وسوريا ضد مواطنيهم!!
 
في القريب صدر كتاب لافت لم يأخذ حظه من التداول عنوانه "موعد مع رجالات صدام" والعنوان الفرعي "البحث عن أسلحة الدمار الشامل في العراق" للمؤلف آشتون روبرسون (سطور – العراق 2021). أهمية الكاتب أنه كان من الفريق الدولي الذي بحث في محاولات صدام حسين تطوير الأسلحة المحرمة (الغاز السام والبيولوجي) وهو من الخبراء الأستراليين الذين استعين بهم لهذا الغرض، واعترف للقارئ الكريم أني أغمط الكتاب حقه عند ذكره بعجالة في مقالة، لأنه كتاب يستحق أن يقرأ بعناية كونه شاهد عيان يأتي على وقائع بعضها من أفواه "رجالات صدام".
 
يروي الكتاب القصة الطويلة لنظام شمولي تتدنى القيم الإنسانية لديه ويبحث عن أسرع وأفظع سلاح لإبادة خصومه. طبعاً قصة حلبجة الكردية معروفه وليست الوحيدة، والكتاب يقدم الدليل بعد الآخر على الجهود التي كان يستخدمها النظام الصدامي من أجل  الحصول على تلك المواد الفتاكة.
 
يتحدث الكتاب عن برنامج النظام العراقي ويقول إنه على مدى ثلاثين عاماً كان هاجسه تطوير تلك الأسلحة البيولوجية والكيماوية، كما واكبت ذلك جهود حثيثة لتطوير وسائل تكتيكية واستراتيجية لنقل تلك الأسلحة شملت الطائرات والصواريخ والطائرات من دون طيار.
 
كان نظام صدام يجاهر بامتلاكه سلاح دمار شامل كوسيلة للبقاء وسط محيط من العزلة، وهي قطيعة ليست على المستوى المادي، ولكن أيضاً على مستوى فهم القيادة العراقية للفضاء السياسي العالمي. ولعل الجملة الأخيرة جزئياً تقدم لنا فهماً أفضل لما قبل الحرب في أوكرانيا، وهي العزلة عن ملاحقة التطور العالمي والبقاء في مكان متخيّل كان له أمجاده السابقة. عزلة القيادة في نظام شمولي وصفة ناجعة لاتخاذ القرارات المميتة.
 
فروسيا بلد غني، يصفها رئيس وزراء كوريا الجنوبية لي ميونغ باك في كتابه "الطريق الوعر" بقوله إن "الله أرسل أحدهم بقربة يمر بها على مناطق العالم وتنزل منها الخيرات على الأرض، حتى وصوله الى أرض روسيا حيث انفجرت القربة وسقط كل ما فيها على تلك الأرض"، وهو معنى افتراضي يعني أن أرض روسيا فيها من المياه والزراعة والنفط والغاز والفحم والذهب والمعادن والكثير من الموارد. العيب الأساس هو في كيفية إدارة تلك الموارد، فهي ليست بحاجة الى أرض كما أنها ليست بحاجة الى حرب، هي تحتاج الى حرية مقرونة بمحاسبة، لا يستطيع النظام الشمولي أن يحققها !!! ذلك سبب كافٍ ليرتعد العالم!!

تعليقات

اكتب تعليقك