خيرالله خيرالله: إيران وأخذ الرهائن... من الأشخاص إلى الدول

زاوية الكتاب

كتب خيرالله خيرالله 306 مشاهدات 0


يصعب وصف الاعتداءات الإيرانيّة على المملكة العربيّة السعوديّة، انطلاقاً من الأراضي اليمنيّة بسوى خطوة تصعيدية أخرى في سياق تحويل دول المنطقة الى رهائن لدى «الجمهوريّة الإسلاميّة».

مطلوب في هذه المرحلة المعقّدة التي يمرّ فيها العالم، بتعقيدات ومخاطر لا سابق لها منذ نهاية الحرب العالميّة الثانيّة، اقتناع إدارة جو بايدن بأنّ عليها الاستسلام امام النظام في إيران.

هذا النظام الذي احتجز 52 ديبلوماسيّاً اميركياً 444 يوماً في نوفمبر من العام 1979، من دون عقاب، بات يستطيع أخذ دول عربيّة رهائن. تطورّت أساليب النظام مع مرور الزمن.

انتقلت «الجمهوريّة الإسلاميّة» في إيران من سياسة احتجاز الأشخاص وجعلهم رهائن، وهي مازالت معتمدة إلى اليوم مع الأميركيين والأوروبيين خصوصاً، الى سياسة احتجاز الدول وتحويلها رهائن.

هل إدارة بايدن مستعدة للرضوخ لهذا الواقع؟

ثمّة ما يؤكّد هذه المخاوف في ظلّ الطريقة التي تعاطت بها إدارة بايدن مع الحوثيين، رافضة في كلّ وقت الاعتراف بما يمارسونه من إرهاب في حقّ اليمنيين أنفسهم وفي حقّ دول الجوار التي لم تتردّد يوماً في مساعدة اليمن.

هذا لا يعني تجاهل أخطاء سياسيّة كثيرة ارتُكبت منذ العام 2011 تاريخ انقلاب الاخوان المسلمين على علي عبدالله صالح.

يؤكّد انتقال إيران من احتجاز الأشخاص الى احتجاز الدول، ما آل إليه وضع العراق الذي صار رهينة إيرانيّة بامتياز.

لا مجال في العراق لانتخاب رئيس للجمهوريّة أو لتشكيل حكومة جديدة، على الرغم من مضيّ ستة أشهر على إجراء الانتخابات النيابيّة، نظراً الى أن إيران غير راضية عن نتائج هذه الانتخابات.

لم تحصل الأحزاب المواليّة لها على الأكثريّة. كانت النتيجة اختراع نظريّة الثلث المعطّل، تماماً كما حصل في لبنان، من أجل أخذ العراق الى انسداد سياسي كامل على كلّ المستويات.

بالثلث المعطّل، بات العراق كلّه في أسر إيران لا أكثر. بات ورقة من أوراق «الجمهوريّة الإسلاميّة» التي تفاوض «الشيطان الأكبر» مباشرة وغير مباشرة في فيينا وغير فيينا.

سينتظر العراق طويلاً انتخاب رئيس للجمهوريّة خلفاً لبرهم صالح، مثلما انتظر لبنان طويلاً انتخاب خليفة لميشال سليمان.

عطّل «حزب الله»، وهو لواء في «الحرس الثوري» الإيراني مجلس النوّاب اللبناني سنتين ونصف السنة كي يصبح مرشّح الحزب رئيساً للجمهوريّة اللبنانيّة في 31 أكتوبر 2016.

لم يدرك الذين تحمسّوا لميشال عون، بمن في ذلك السياسي الذي يعرفه عن ظهر قلب، أي سمير جعجع، مدى خطورة الرضوخ لـ«حزب الله» وايصال مرشحه الى قصر بعبدا.

ليس ما يدعو الى الحديث عن سورية ودخول «الجمهوريّة الإسلاميّة» على خط إبقاء النظام السوري الذي ثار عليه شعبه بأكثريته الساحقة منذ مارس 2011.

استغلّ النظام الإيراني الثورة الشعبيّة في سورية ليتغلغل أكثر في هذا البلد بوسائل شتّى بينها ارسال ميليشيات تابعة له إليها كي يبقى بشّار الأسد في دمشق.

لم يعد سرّاً أن ايران استطاعت تغيير طبيعة المناطق السورية وأدخلت عليها تغييرات ذات طابع ديموغرافي.

من الصعوبة بمكان امتلاك بشّار الأسد أي هامش حرّية عن إيران.

الأكيد أن لديه هامشا للمناورة، لكنّ مثل هذا الهامش ليس كافياً كي لا تكون سورية في عهده مجرّد ورقة إيرانية ورهينة لدى «الجمهوريّة الإسلاميّة»...

ليست الاعتداءات على السعوديّة، انطلاقاً من اليمن، سوى دليل على مدى جهل الإدارة الأميركيّة بالحوثيين ودورهم وعمق الروابط بينهم وبين النظام الإيراني.

لم يراهن الحوثيون في أي وقت على تسوية سياسية في اليمن.

يرفضون مثل هذه التسويّة، حتّى لو كانت تعترف بأنّهم جزء لا يتجزّأ من النسيج اليمني.

في المقابل، إنّهم يؤمنون بخرافات زرعتها فيهم إيران التي تنظر الى اليمن بصفة كونه موطئ قدم لها في شبه الجزيرة العربيّة.

هذا ما لم تستطع الإدارات الأميركية استيعابه ابداً.

جاءت إدارة بايدن لتذهب الى أبعد من غيرها في مسايرة الحوثيين.

عملياً، شجعت هؤلاء ومن خلفهم إيران، على تحويل اليمن قاعدة للصواريخ والمسيّرات الإيرانيّة من دون حسيب أو رقيب.

هذا سبب أكثر من كافٍ كي تتّخذ الدول العربيّة في المنطقة موقفاً حذراً من السياسة الاميركيّة.

ثمّة سوء فهم أميركي عميق لما دار ومازال يدور في اليمن.

في أساس سوء الفهم هذا، الجهل بطبيعة الحركة الحوثيّة التي باتت تسمي نفسها «جماعة انصار الله» بما يؤكّد عمق العلاقة بينها وبين «الحرس الثوري» الإيراني الذي يمتلك وجوداً طاغياً في صنعاء.

قبل سنة تماماً، اطلقت السعوديّة مبادرة سلميّة تجاه اليمن.

سارعت ايران عبر سفيرها في صنعاء حسن ايرلو، وهو ضابط في «الحرس الثوري» (توفّى لاحقاً اثار اصابته بكورونا) الى رفض المبادرة السعوديّة رفضاً قاطعاً.

وضع ايرلو الحوثيين أمام أمر واقع هو الموقف الإيراني. أراد القول إن «الجمهوريّة الإسلاميّة» صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في مناطق سيطرة الحوثيين.

ترفض إدارة بايدن أخذ العلم بمثل هذا التطوّر مثلما ترفض الاعتراف بأنّ دول الخليج، في مقدّمها السعوديّة والامارات، مستهدفة من إيران انطلاقاً من اليمن.

هل هذا هو ترجمة لوقوف أميركا الى جانب حلفائها وقت الشدّة... أم دعوة أميركيّة الى إيران لابتزاز هؤلاء الحلفاء؟

يخشى أن تكون إدارة بايدن مستعدة للرضوخ لإيران في صفقة تتعلّق ببرنامجها النووي.

معنى ذلك أنّ اميركا التي يعلن رئيسها أنّه مستعد لمواجهة روسيا في حال اعتدت على أي دولة عضو في حلف الأطلسي (الناتو) غير معني بما تقوم به إيران في منطقة الخليج.

على العكس من ذلك، نراه يشجع على أخذ مزيد من الرهائن... إنّه يشجع عملياً سياسة بدأت في العام 1979 وهي مستمرّة إلى يومنا هذا.

الأكيد أنه ليس بمثل هذه السياسة ستستطيع أميركا يوماً الحدّ من جنون فلاديمير بوتين الذي يريده بايدن خارج السلطة... أو الوقوف في وجه التحدي الصيني!

تعليقات

اكتب تعليقك