داهم القحطاني: القبس.. خمسون عاماً من الصحافة الحرة (2 - 2)

زاوية الكتاب

كتب داهم القحطاني 598 مشاهدات 0


حين قام الجيش العراقي الغادر بغزو الكويت بادرت القبس بالصدور من خارج الكويت في اليوم الحادي عشر من الغزو (12 /‏‏‏ 8 /‏‏‏ 1990) لتكون في مقدمة الجبهة الإعلامية التي تشكلت من أحرار العالم لمواجهة هذا الغزو البربري. وكان أمراً لافتاً صدورها كجريدة كويتية وتوزيعها في العواصم العربية والعالمية المؤثرة رغم احتلال بلدها، مما ساهم في دعم الرأي العام الكويتي والعربي الرافض لهذا الغزو. 

في الكويت استولت القوات العراقية على مطبعة الجريدة، وقامت بإصدار جريدة النداء في الكويت لتعيد نشر أباطيل النظام العراقي وزيفه.

وفي القبس بريميوم، حيث أرشيف الجريدة الإلكتروني، تجدون بعضاً من أعداد هذه الجريدة، أتاحتها للباحثين والأكاديميين لتبقى في الذاكرة دوماً هذه المحاولة البائسة من الطاغية صدام حسين لطمس الوعي الكويتي عبر جريدة ممتلئة بالأكاذيب، لوثت حروفها مطبعتها التي طالما ساهمت حروفها في الدفاع الحقيقي عن قضايا الأمة العربية. 

وفي مرحلة تحرير الكويت كانت هناك معركة إعادة الإعمار بكل ما فيها من تحديات لتعود للصدور من جديد في الكويت المحررة في 15 يونيو 1991، أي بعد أقل من 4 أشهر من تحرير الكويت، وهو وقت قياسي في بلد دمر الاحتلال بنيته التحتية. في تلك المرحلة كانت القبس الصوت، الذي أزعج النظام العراقي بتغطياتها المختلفة، التي كشفت للعالم العربي زيف هذا النظام البائس، والخديعة التي كان يمارسها زعيمه صدام حسين على الشعوب العربية باستغلاله قضية فلسطين. وكانت القضايا الداخلية الملعب الأهم لها في مرحلة ما بعد التحرير، فتولت قضية عودة الحياة البرلمانية عبر مجلس أمة منتخب تحقيقاً للوعود التي قطعتها القيادة السياسية في مؤتمر جدة الشعبي.

كما تألقت القبس في ملاحقة سراق المال العام عبر سلسلة تحقيقات شهيرة، قادها رئيس التحرير آنذاك محمد الصقر، أثمرت لاحقاً ملاحقات قضائية داخل الكويت وخارجها امتدت لسنوات طويلة، وأثمر بعضها استعادة الأموال المنهوبة، ومحاكمة وسجن بعض من تورط في سرقة الكويت ونهبها وهي تتعرض لغزو وحشي واحتلال بغيض. 

وتنوعت القضايا بعد ذلك، ومن أهمها ثباتها على خطها القومي رغم زلزال الغزو العراقي، الذي كشف زيف القومية لدى بعض كبار قادتها ومنظريها ممن دعم الباطل البعثي، لتؤكد أنها، وكما الكويت، تدعم القضايا العربية بقناعة ومن أجل نصرة الشعوب العربية من دون توظيف ذلك لخلق زعامات واهية تساقطت لاحقاً ولفظها الشارع العربي.

ومحلياً ظلت ملتزمة دعم القضايا الوطنية الأهم، ومنها دعم الديموقراطية، والدفاع عن الأموال العامة، وصيانة الوحدة الوطنية. ومن ذلك دورها في كشف كثير من قضايا الفساد في السنوات الأخيرة، ومنها قضية الإيداعات المليونية في حسابات النواب، وقضية الصندوق الماليزي، وقضية الاختلاسات في وزارة الداخلية، وقضايا غسل الأموال. 

بالطبع هناك من يختلف معها وتوجهاتها، وهي ترحب بذلك، ولطالما نشرت وعلى صفحتها الأولى آراء ناقدة لأدائها في مشهد نادر قلما يحدث.

في عام 2016 بدأت مشروعها الأضخم نحو التحول الإلكتروني، ونحو مخاطبة العصر بلغته، وتقديم نوع جديد من الصحافة يتناسب مع عصر شبكات التواصل الاجتماعي، وتمثل ذلك بصدور القبس الإلكتروني كمنصة تقدم التقارير الإخبارية بشكل متواصل ومنفصل عن الجريدة الأم مع التنسيق في تقارير مختارة.

بعد ذلك بدأ تحول موقعها ليكون منصة متنوعة تقدم صنوف الصحافة كافة، وذلك عبر صدور القبس بريميوم في الأول من سبتمبر 2019، وهو المشروع الضخم والمتطور الذي توليت فيه المهمة الاستشارية، حيث تحول أرشيفها ليكون منصة غير مسبوقة في الشرق الأوسط توفر قاعدة من الأخبار الأرشيفية المنشورة إلكترونياً، وتضم محركات بحث لأعدادها وإصداراتها منذ صدورها قبل نصف قرن.

خمسون عاماً من الصحافة الحرة، ومن المجد الصحافي الذي صنعه الآلاف من الصحافيين والصحافيات الأحرار، ومن العاملين في أقسامها من غير الصحافيين، ومنهم المختصون في إنتاج الجريدة، ورسم صفحاتها، وإخراجها، وصف حروفها وتجهيز موادها، كذلك العاملون في الشؤون المختلفة إدارياً ومحاسبياً وغير ذلك، فكل هؤلاء كانت لهم أدوار مهمة في هذه المسيرة المعطرة بالفخر.

رحم الله الميت منهم وأطال في عمر الأحياء. 

وستبقى لرؤساء التحرير طوال خمسين عاماً، وهم جاسم أحمد النصف، ومحمد جاسم الصقر، ووليد عبد اللطيف النصف، ونائب رئيس التحرير الحالي عبدالله غازي المضف، أدوار مهمة في صناعة هذا المجد الصحافي.

كل نصف قرن والقبس وقراؤها بألف خير.

تعليقات

اكتب تعليقك