خيرالله خيرالله: عن رجل احتاج قتله سبعة عشر عاماً

زاوية الكتاب

كتب خيرالله خيرالله 567 مشاهدات 0


كانت الحاجة الى سبعة عشر عاما للتأكد من موت رفيق الحريري، للتأكّد من انّه لن تقوم قيامة لبيروت وللبنان يوما.

قاوم رفيق الحريري كلّ هذه السنوات من حيث هو. ليس سهلاً على انسان، مهما كان حجمه البقاء صامدا سبعة عشر عاما في تلك المواجهة مع قتلة بيروت ولبنان.

هؤلاء استطاعوا أخيراً إطفاء أضواء المدينة... وجعل وسطها وكلّ ما هو محيط به احياء وشوارع لا حياة فيها.

استطاعوا أيضا القضاء على كلّ المقوّمات التي قام عليها «لبنان الكبير» منذ اعلان قيامه في الاوّل من سبتمبر 1920.

لم تكن الحاجة الى طنّ من المتفجرات للقضاء على رفيق الحريري ورفاقه يوم الرابع عشر من فبراير 2005.

لكنّ كمّية المتفجرات المستخدمة تكشف جانباً أساسياً من خفايا الجريمة، وهو جانب يعكس حجم الحقد على الرجل وعلى بيروت ولبنان.

كانت الحاجة الى اكثر من تفجير رفيق الحريري بغية التخلّص منه ومن لبنان. لجأ القتلة ذاتهم الى سلسلة اغتيالات لبنانيين شرفاء، كان اوّلهم سمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني وبيار امين الجميّل... وصولاً الى محمد شطح، مروراً بوليد عيدو وانطوان غانم ووسام عيد ووسام الحسن.

كذلك، كانت الحاجة الى حرب مع إسرائيل افتعلها «حزب الله» من اجل الانتصار على لبنان في العام 2006 وإلى اعتصام طويل في وسط بيروت لاغلاق اكبر عدد من المتاجر والمصالح فيه.

كانت الحاجة في مرحلة معيّنة (مايو 2008) الى غزو بيروت والجبل لاخضاع السنّة والدروز، وقبل ذلك، والى حرب مخيّم نهر البارد والى منع الأكثرية من الحكم بعد انتخابات العام 2009 التي خسرها «حزب الله».

كانت الحاجة الى محطات عدّة ودماء كثيرة ايضا بغية الوصول الى لحظة الذكرى الـ17 لاغتيال رفيق الحريري ورفاقه في بلد رئيس الجمهوريّة فيه ميشال عون ويحكمه فعلاً «حزب الله».

كانت حاجة الى كلّ تلك المحطات والدماء، آخرها دماء لقمان سليم وآخرين للتأكد من موت لبنان ومن انّه امكن القضاء على البلد وعلى مشروع إعادة الحياة اليه بعد عزله عربيّا.

اتى وزير الخارجيّة الكويتي الشيخ احمد الناصر الى بيروت حاملاً «رسالة كويتيّة، خليجيّة، عربيّة، دوليّة».

جاء الردّ على تلك الرسالة ليثبت انّ لا حياة لمن تنادي.

الحرب الاهليّة التي يتخوّف منها الذين لا أجوبة لديهم عن الرسالة الكويتية التي تدعو الى تنفيذ القرارات الدوليّة، خصوصاً القرار 1559، حصلت.

خرج طرف واحد منتصراً من تلك الحرب الاهليّة. المنتصر هو ايران التي تقطف في السنة 2022 ثمار جهود بذلتها طوال 40 عاما من اجل تغيير هويّة لبنان بشكل نهائي.

ليس صدفة انّ وزير الخارجية الإيراني امير حسين عبداللهيان، كان اوّل مسؤول اجنبي يزور بيروت بعد تشكيل حكومة نجيب ميقاتي في أكتوبر الماضي.

ليس صدفة ايضا كلامه عن استعداد إيراني لاعادة بناء مرفأ بيروت وإنشاء محطات كهرباء.

ليس مثل هذا الكلام عن مرفأ بيروت والكهرباء كلاماً عادياً، خصوصا اذا عرفنا ان الكهرباء والمرفأ، الذي بناه الفرنسيون في القرن التاسع عشر، كانا في رأس اهتمامات الرئيس ايمانويل ماكرون في زيارتيه الاخيرتين للبنان، مباشرة بعد تفجير المرفأ وفي ذكرى اعلان «لبنان الكبير».

رسالة ايران الى فرنسا واضحة كلّ الوضوح. لم يعد لك مكان في لبنان... اما الجنود الفرنسيون العاملون في الجنوب في اطار القوّة الدوليّة، فليسوا سوى رهائن عن «الأهالي»، أي عند «حزب الله»...

نعم، لا شيء يحدث بالصدفة في لبنان بدءاً من قطع عون الطريق على أي تحقيق دولي في كارثة تفجير مرفأ بيروت في الرابع من اغسطس 2020 بعد ساعات قليلة من التفجير.

مطلوب اكثر من أي وقت، تجاهل الحقيقة وتفادي الوصول اليها منذ لحظة تفجير موكب الحريري... الى لحظة تفجير المرفأ.

كان مطلوبا الوصول الى ما وصل اليه لبنان في 2022 التي ستكون سنة كلّ الاستحقاقات، بما في ذلك استحقاق الانتخابات النيابيّة.

في حال أجريت الانتخابات، سيكون ذلك بموجب قانون سيسمح لـ«حزب الله» بالاحتفاظ بالاكثريّة النيابية، لكنّ «التيّار العوني» سيتلقّى ضربة قويّة وسينكشف مسيحياً.

في حال أجريت الانتخابات، علما انّ هناك من يشك في اجرائها، سيكون ذلك في غياب سعد الحريري مع كلّ ما في الحدث من رمزيّة مرتبطة بغياب أي دعم عربي للبنان وفقدان ايّ امل بتنفيذ الإصلاحات المطلوبة، ما في ذلك طي صفحة سلاح «حزب الله» وعدوانيته لكلّ توجه عربي لدى لبنان.

يظلّ في ختام المطاف سؤال لا يمكن تفاديه: ماذا ستصنع «الجمهوريّة الاسلاميّة» بانتصارها على لبنان بعد اخضاعه؟ عملت طوال 40 عاما من اجل افلاس لبنان واخذه الى البؤس. حصلت منذ العام 2006 على تغطية من الثنائي عون - جبران باسيل في ظلّ معادلة السلاح يحمي الفساد.

الغت المسيحيين الذين يبحثون عن مكان للهجرة. جعلت السنّة في حال ضياع. دجّنت الدروز. لائحة ما فعلته، خصوصا بعد الانطلاقة الثانية لمشروعها التوسّعي اثر سيطرتها على العراق في العام 2003، طويلة، بل طويلة جدّا.

لكن اين ستسوق بضاعتها اللبنانيّة وهل من يشتريها بعدما احتاجت الى سبعة عشر عاماً للتأكد من أنّ رفيق الحريري قتل فعلا وأن شبحه زال من الوجود...

زال شبح الحريري وبقيت ذكرى رجل قاوم طويلا قبل ان يسقط بالضربة القاضيّة.

احتاجت «الجمهوريّة الإسلامية» الى 17 عاماً كي تسقط الحريري ويسقط معه لبنان وتسقط بيروت!

يبقى انّ كلّ ما نراه، بالنسبة الى اكثريّة الشعب اللبناني ومن لا يزال يؤمن بلبنان، امر مؤقّت، لا لشيء سوى لان مشروع رفيق الحريري، كما لبنان، لن يموت.

المصدر: الراي

تعليقات

اكتب تعليقك