داهم القحطاني: ناصر بداح العتيبي... رحيل مرّ لشهم ونقيّ وعاشق للكويت
زاوية الكتابكتب داهم القحطاني فبراير 2, 2022, 11:08 م 390 مشاهدات 0
اختطفت «كورونا» اللعينة الرجل الوطني الشهم النقابي السابق العم ناصر بداح المورجي العتيبي، بعد حياة مليئة بالعمل الوطني الحقيقي، ومليئة بالمحبة العميقة والصادقة للكويت الأرض، والكويت الشعب، والكويت الدولة.
وأشهد للتاريخ بأنني لم أجد إنساناً صادقاً ومخلصاً في حبه للكويت مثل العم ناصر بداح (بوبدر) إلا نادراً جداً.
هو ناصر بن بداح المورجي العتيبي - رحمه الله - أحد الوجهاء المعروفين في قرية الشعيبة التاريخية (قرب الفحيحيل)، وقبل ذلك كان من سكان منطقة جبلة في أربعينيات القرن العشرين قبل الاستقرار في جنوب الكويت بعد ظهور النفط، وتنامي فرص الرزق والتجارة هناك.
ناصر بداح كان الأخ الثاني بعد شقيقه الأكبر غازي - رحمه الله.
وقد شبّ مع بزوغ فترة نهضة الكويت واستقلالها، ومع تنامي القومية العربية، فكان لكل ذلك تأثير عليه من حيث الثقافة وسعة الاطلاع، ومن حيث كونه صاحب رأي سياسي وطني وواضح ومؤثر.
ولهذا لم يكن مستغرباً أن يشارك متحدثاً كشاب صغير منتصف الستينيات في التجمعات النقابية في شركة أمونيل الأميركية النفطية، حيث كان يعمل، قبل أن تتحول إلى جزء من شركة البترول الكويتية الوطنية، ثم يعود بعد ذلك بنحو خمسين عاماً ليتحدث في مرات نادرة في تطبيق كلوب هاوس، فالرجل مخلص لدوره التوعوي والمتزن القوي ضد الفساد، والمؤيد وبشدة لكل عمل إصلاحي.
عمل في بداية شبابه، مطلع ستينيات القرن العشرين، محققاً في مخفر الصالحية، وقد روى لي ذكريات عديدة عن تلك الحقبة، نقل خلالها، وعبر وصف دقيق، ما كانت عليه الكويت آنذاك من تقدم وازدهار وتوهج، ثم انتقل بعد ذلك ليعمل في القطاع النفطي وليقوم بأدوار نقابية مؤثرة في اتحاد عمال البترول، حيث يتولى مع زملائه من جيل النقابيين المؤسسين خوض معارك سياسية وقانونية ونقابية شرسة مع شركات النفط الأجنبية، ثم لاحقاً مع الحكومة الكويتية بعد تأميم هذه الشركات من أجل تحسين ظروف الطبقة العاملة وجعلها تستفيد بقدر أكبر من عوائد النفط.
وكان ناصر بداح العتيبي رحمه الله من النقابيين الصبورين جداً في مرحلة التفاوض مع إدارات الشركات، لكنه كان أشدهم في الدفاع عن الحقوق العمالية في مرحلة المواجهة والإضرابات.
وقد دفع رحمه الله أثماناً باهظة جداً تجاه هذه الشجاعة، وتجاه هذا الإخلاص والانحياز للعمال البسطاء، ولم يتراجع أو يتردد، ولهذا حافظ ناصر بداح على احترام الأصدقاء والخصوم طوال حياته، وسيحافظ على سيرته الناصعة بعد مماته، وسيورث كل هذا المجد لأبنائه كمصدر للفخر.
كان ذات مرة في العراق خلال سبعينيات القرن العشرين، ضمن وفد نقابي، ففوجئ بنائب الرئيس آنذاك صدام حسين وهو يهاجم ولي العهد الكويتي جابر الأحمد - رحمه الله - وينتقد السعودية ويتهمها بالرجعية، فقام ناصر بداح ورد عليه رافضاً الإساءة لشيوخ بلده الكويت ولحكومتها، كما استغرب أن يتهم صدام حسين السعودية بالرجعية، وهو من ينسق معها اقتصادياً في مسائل عدة، منها سياسات منظمة أوبك، فاضطر حينها صدام إلى تغيير طبيعة خطابه.
كان يقوم بالدفاع عن الكويت وشيوخها في الخارج رغم أن المباحث السياسية كانت تضايقه مع النقابيين المؤثرين في كل مرة تصل الخلافات مع الشركات النفطية إلى حد الإضراب.
وسبق أن تعرّض ناصر بداح وزملاؤه النقابيون للفصل من العمل قبل أن تتراجع الحكومة الكويتية عن قرارها بعد ضغوط داخلية وخارجية ضمن ما يعرف بتأثير الحركة العمالية العالمية.
كما اضطر ذات مرة إلى سرعة مغادرة ليبيا بعد أن التقى ضمن وفد نقابي قائد الثورة معمر القذافي، وحاول أن يعقب على إساءاته ضد دول الخليج، قبل أن يرفض منظمو اللقاء مقاطعة أحد للقذافي، الذي ظل يتكلم لخمس ساعات طويلة ومملة، حسب وصف ناصر بداح لي، قبل أن يقول القذافي أين الذي طلب الكلام ليتحدث، فأشار ناصر بداح بيده رافضاً الحديث احتجاجاً على التأخير مما جعل الأجواء تكون مشحونة، الأمر الذي دفع ناصر بداح، وبناء على نصيحة زملائه، بسرعة مغادرة ليبيا خوفاً من انتقام القذافي في الليلة نفسها.
القصص كثيرة عن هذا الرجل الوطني الشهم، الذي كان متديناً بطبيعته، لكنه التدين الفطري الحقيقي، فكان ملازماً للمسجد طوال عمره، وله من أعمال الخير ما نعلمه من دون قصده، وما الله وحده به عليم.
ارتبطت به بعلاقة صغير يحترم ويقدر الكبير ويتعلم منه، فكان خير معلم، فالرجل ورغم تقدمه في العمر كان مقبلاً على الحياة، ومواظباً على استخدام التقنية الحديثة والاستفادة منها، ومن ذلك اقتناء الهواتف النقالة الحديثة، وتحميل تطبيقاتها المفيدة، وكان كل ذلك جزءاً من شخصيته المميزة.
وقد سبق أن استضفته في برنامج تلفزيوني عن ذكرياته في الشأن العام، فكانت حلقة مميزة جداً متوافرة في اليوتيوب تحت عنوان «ناصر بداح العتيبي نقابة النفط في غبقة رمضانية».
بالفعل سأفتقد جداً إطلالته الليلية في ديوان آل بداح العامر في مدينة الأحمدي، فقد كان اللقاء به من أكثر الأمور التي تسعدني.
رحمك الله يا بوبدر وأسكنك فسيح جناته.
وأعزي أبناءه وإخوانه الذين أعتبرهم إخواناً لي، وأعزي قبل ذلك نفسي، فقد فقدت من كان بمنزلة الوالد.
«إنا لله وإنا إليه راجعون».
المصدر: القبس
تعليقات