خيرالله خيرالله: فرنسا والأسئلة اللبنانية

زاوية الكتاب

كتب خيرالله خيرالله 482 مشاهدات 0


في كلّ كلمة من البيان الصادر عن اللقاء بين الرئيس ايمانويل ماكرون ووليّ العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان، بعد لقائهما في جدّة، ما يؤكّد ان لبنان عاجز عن استعادة موقعه في المنطقة.

لا يستطيع لبنان القيام بأيّ إصلاحات ولا أن يحافظ على حدوده ولا أنّ تكون القوى الشرعية فيه من يحتكر السلاح. من هذا المنطلق، استقال جورج قرداحي ام لم يستقل من الحكومة اللبنانيّة.

لن يقدّم ذلك ولن يؤخّر. ليس القرداحي سوى تفصيل صغير، بل تافه، في قضيّة تتجاوزه... في بلد صار في مهبّ الريح.

يكمن الخطأ الأساسي للرئيس نجيب ميقاتي، الذي يبذل من دون شكّ جهوداً جبّارة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من البلد، في قبول توزير اشخاص من هذا المستوى.

ولكن، ما العمل عندما يكون ميقاتي، لاسباب خاصة به، على استعداد لتشكيل حكومة بأي ثمن في اطار تفاهم بينه وبين المسؤولين الفرنسيين ؟

ستبقى الاسئلة التي ستطرح نفسها في نهاية المطاف مرتبطة بموقع لبنان في المنطقة.

هل هو بلد عربي ام لا ؟ هل هو بلد صديق للعالم المتحضّر، في مقدّمه أوروبا... ام مجرّد جرم يدور في الفلك الإيراني ؟

هذا نوع الاسئلة التي يُفترض بفرنسا طرحها على نفسها قبل دخولها في وساطة بين بلد يحكمه «حزب الله» ويتحكّم به من جهة، ودول الخليج العربي، في مقدّمها السعودية، من جهة أخرى.

انتقل لبنان من بلد ذي علاقة مباشرة متميّزة ومصالح مشتركة مع دول الخليج العربي إلى دولة معادية لهذه الدول التي هي باب رزق لما يزيد على نصف مليون عائلة لبنانيّة. ليس كلام شخص مثل قرداحي عن اليمن سوى تعبير عن الوضع اللبناني كما هو، بل تعبير عن الجهل اللبناني، لا اكثر.

إنّه وضع المتنطح لقضايا لا مصلحة للبنان في التنطح لها في وقت تحوّل البلد مصدر تصدير المخدرات وغير المخدّرات الى دول الخليج.

ما يطلبه الرئيس الفرنسي ووليّ العهد السعودي، اقرب الى طلب المستحيل.

حسناً فعلت السعوديّة بأن وضعت فرنسا امام امتحان.

يكفي الكلام عن محافظة لبنان على حدوده، كي يتأكّد أي عاقل من ان لبنان لا يستطيع ذلك. قرّر «حزب الله» منذ العام 2012، وربّما قبل ذلك، التورط في الحرب التي يشنّها النظام السوري على شعبه.

لا تستطيع الحكومة اللبنانيّة ان تفعل شيئاً. الحدود بين لبنان وسورية مفتوحة.

ليس من سيطر عليها غير «حزب الله»، أي ايران.

يمثّل مثل هذا الوضع اللبناني القائم حالاً مرضيّة يختزلها مذيع، لم يطرأ أي تطوّر على عقله السياسي يوماً، صار يسمح لنفسه بان يتحدّث في السياسة العربيّة.

لا يكفي ان تكون مذيعاً ناجحاً وأن تمتلك صوتاً مقبولاً حتّى تصبح صاحب رأي في السياسة وفي ما يدور في اليمن الذي يعاني من تعقيدات لا حدود لها.

في مقدّم هذه التعقيدات تحوّل جزء من اليمن الشمالي الى قاعدة صواريخ وطائرات مسيّرة ايرانيّة. هذا الجزء من اليمن الشمالي يمتلك حدوداً طويلة مع المملكة العربيّة السعوديّة.

كيف يمكن للبناني، أي لبناني، الدخول في متاهات يمنيّة من هذا النوع من اجل ان يكون «حزب الله» راضياً عنه... ومن اجل ان يثبت ولاءه للنظام الاقلّوي السوري الذي يخوض حرباً مع شعبه.

اذا كانت احداث الأسابيع الأخيرة كشفت شيئاً، فهي أظهرت انّ لبنان يحتضر.

ما صار على بساط البحث مصير لبنان الذي لا همّ لرئيس الجمهوريّة فيه، ميشال عون، سوى تأكيد انّه في تصرّف «حزب الله»، لعلّ ذلك يؤمّن وصول صهره جبران باسيل الى قصر بعبدا في السنة 2022.

كشفت الأسابيع الأخيرة أيضاً انّ السياسة الفرنسيّة في لبنان سياسة لا طائل منها. ليس مطلوباً مواجهة «حزب الله»، لكنّه ليس مطلوباً أيضا الاستسلام لإيران في لبنان. ما فعلته فرنسا منذ تفجير ميناء بيروت في الرابع من أغسطس 2020 رضوخ تام لإيران.

تبيّن بكل بساطة ان فرنسا لم تعد تعرف لبنان ولا تريد ان تعرف ما هو «حزب الله» ولا تريد اخذ العلم بسلوك ايران داخل حدودها وخارجها، بما في ذلك في اليمن. لا تعرف فرنسا معنى تشكيل حكومة لبنانيّة يمتلك فيها «حزب الله» اكثريّة.

لعلّ ابرز دليل على ان ايران ترفض أيّ تراجع في لبنان مسارعة وزير الخارجية الإيراني امير حسين عبداللهيان الى المجيء الى بيروت، مباشرة بعد تشكيل حكومة نجيب ميقاتي، في سبتمبر الماضي.

جاء عبداللهيان ليتحدث عن استعداد ايران لبناء محطات كهربائية في لبنان ولإعادة الحياة الى مرفأ بيروت. جاء ليقول ان ايران صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في لبنان في وقت عين فرنسا على الكهرباء ومرفأ بيروت.

لن تغيّر استقالة قرداحي شيئاً. هذا ما تعرفه دول الخليج جيّدًا وفي العمق.

تعرف دول الخليج اين صار لبنان وما الذي يفعله «حزب الله» في المنطقة كلّها وصولاً الى اليمن.

في المقابل، هل تعرف فرنسا انّ خدمة ايران في لبنان سياسة لا افق لها.

افضل ما يمكن ان تفضي اليه هذه السياسة تكريس وضع يد «الجمهوريّة الاسلاميّة» الإيرانية على البلد الصغير وعلى بيروت تحديداً!

يظلّ الكلام الجميل كلاماً جميلاً.

ما الذي تستطيعه فرنسا في لبنان باستثناء الكلام الجميل عن بلد تغيّر فيه كلّ شيء.

الأكيد ان ليس في استطاعتها تحويل هذا الكلام الى أفعال.

أي الى ما تطالب به دول الخليج التي لم تقدّم سوى الخير الى لبنان الذي فيه رئيس للجمهوريّة يرفض الاعتراف بما يرتكبه «حزب الله».

ما يقوم به «حزب الله» لمصلحة ايران جريمة في حق لبنان وفي حق العلاقات التي تربطه بدول الخليج.

مرّة أخرى.

ما وزن فرنسا وما مدى تأثيرها على «الجمهوريّة الاسلاميّة» في هذه الظروف بالذات؟ الاهمّ من ذلك كلّه ان ايران تريد صفقة مع اميركا، مع «الشيطان الأكبر».

لا يهمّها موقف فرنسا ولا تهمها مصلحة لبنان الذي تسوء حاله يوماً بعد يوم !

تعليقات

اكتب تعليقك