سعاد فهد المعجل: تهريج حماة البيئة

زاوية الكتاب

كتب سعاد فهد المعجل 858 مشاهدات 0


بْلا.. بْلا..بْلا… هكذا جاء رد الناشطة البيئية غريتا تونبرغ على قادة العالم، الذين اجتمعوا في «غلاسغو» لمناقشة تداعيات وآثار الدمار البيئي الذي يواجهه العالم بأكمله.

تونبرغ الشابة السويدية الناشطة، وجّهَت خطابها التهكّمي هذا في مؤتمر للشباب في ميلانو، مُسلّطة الضوء كما قالت على الكلمات والوعود الفارغة للسياسيين، وموَجّهة خطابها للناس بأن عليهم عدم فقدان الأمل، لأن التغيير ليس ممكناً وحسب، وإنما هو ضروري وبشكل عاجل.

بْلا بْلا بْلا.. التي استَهَلّت بها تونبرغ خطابها مُصطلح يُستَخدم في كل لغات العالم ويعني بالعربية بقبقة.. أو ترديداً أجوف بلا معنى ولا جوهر.. وهى أرادت من خلال هذا التعبير توبيخ قادة العالم والاستهزاء بجهودهم لحل مشكلة المناخ، وبأنهم مُتّهمون كدول وكشركات وكزعامات وكمؤسسات بسلبيتهم تجاه الخطر البيئي الداهم الذي تواجهه البشرية اليوم.

غريتا تونبرغ، لمن لم يتابع نشاطها، هي فتاة سويدية اشتهرت بعملها لوقف الاحتباس الحراري وتغيّر المناخ، واستطاعت وحدها ومن دون أن تنتمي إلى تيار سياسي ولا إلى جماعة أو مؤسسة أن تجعل من يوم الجمعة يوماً للإضراب المدرسي في كل دول العالم تضامناً مع دعوتها، حتى أن مدارس كثيرة في أوروبا أصبحت تسمح لطلبتها بالتغيّب في يوم الجمعة، وذلك للمشاركة في التظاهرات والإضرابات الطلابية الداعية لحماية البيئة.. وبحيث تَم إطلاق مسمى «إضراب المدارس للمناخ» على تلك الإضرابات.

ليست هي المرة الأولى التي يجتمع فيها زعماء العالم لمناقشة قوانين المناخ، لكنها قد تكون المرة الأولى التي يعترف فيها المجتمعون بأن العالم أمام فرصة أخيرة وإلا سيكون مصير البشرية الانقراض.

قد يتفق الجميع على أن حماية البيئة هي مسؤولية مشتركة يتحمّل كل إنسان نصيبه ودوره فيها، لكن الواقع يقول إن العمل البيئي الفردي لا يستطيع أن يُحدِث التأثير المطلوب. فالتلوث والنفايات والكربون وأبخرة الحروب ودخانها المسموم، كلها لا تعرف حدوداً جغرافية ولا سياسية. لذلك يأتي اهتمام دولة بمفردها وبمعزل عن باقي العالم ليُشكّل حلاً محدوداً لا يساهم في معالجة البيئة كقضية كوكب بأكمله وليس دولة بعينها.

كان الإنسان ولا يزال أكبر مُنتهِك للبيئة بسبب احتياجاته المُتزايدة ونَهَمه، وبحيث تضخّمَت ثرواته ومحاصيله في مقابل استغلال جائر للبيئة. فأفرط في استخدام المواد الكيماوية لضمان محاصيل سليمة بلا دود وسريعة النضج، وخنق السماء والهواء بتراب وغبار وتلوث المصانع الاستهلاكية الشرهة، وأصبحت الحياة البرية والريفية تالفة ومهددة بانقراض أحيائها ونباتاتها بسبب مبيدات الآفات والفطريات والأعشاب.

للأسف إن الذين اجتمعوا في «غلاسغو» بحجة دعم البيئة وحمايتها هم أول المنتهكين لها. فهؤلاء كدول هم من يملك المصانع ويدير تشغيلها مع كل ما تحمله من تلوث يعانق السماء ويمتد أفقياً ليحاصر الأرض من شرقها الى غربها، هؤلاء هم من يتحكّم بآلة التطور التكنولوجي الهائل الذي أشاع مبدأ العولمة وحرية التجارة وغيرها من «حريات اقتصادية» استنزَفَت الموارد الطبيعية وبشكل مُسرِف، مما أدى وبشكل مباشر إلى انهيار الأنظمة البيئية الطبيعية. قادة الدول الذين اجتمعوا في «غلاسغو»، بعضهم يُدير عجلة الحروب في العالم، ويُبيح - وإن كان في الخفاء - استخدام الأسلحة النووية والكيماوية الفتّاكة، التي أدّت إلى تلوث المياه والهواء والتربة، حتى صار نصف العالم بلا مياه نظيفة وآمنة وصالحة للشرب. حروب هؤلاء الذين اجتمعوا في «غلاسغو» كانت ضد الطبيعة في فيتنام حين استخدمت الولايات المتحدة الأسلحة والمبيدات الكيماوية لتجفيف النباتات ومنع اختباء الجنود فيها، والتأثير البيئي الذي خلّفته القنبلتان النوويتان على اليابان لا يزال شاهداً، وليستمر المشهد اليوم في حروب الشرق الأوسط، حيث يستمر إجرام البشر شرقاً وغرباً في استهداف البيئة في العراق وسوريا وليبيا واليمن.. وغيرها.

حسناً فعلت الناشطة الشابة غريتا تونبرغ، حين سَخَرَت من قادة العالم في مؤتمر الشباب في ميلانو. فعبارات رئيس الوزراء البريطاني مثل «احتضان مُكلِف للأرانب» و«لنعيد البناء أفضل» وغيرهما من عبارات وردت في مؤتمر «غلاسغو» لا تعدو عن كونها كلمات ووعوداً فارغة.. أو كما سمّتها تونبرغ: بْلا...بْلا..بْلا. bla..bla..bla.

تعليقات

اكتب تعليقك