أحمد يعقوب باقر: سجناء الرأي... حقائق وأرقام
زاوية الكتابكتب أحمد يعقوب باقر أكتوبر 31, 2021, 9:27 م 511 مشاهدات 0
علمتني مهنة الصيدلة ودراستي العليا في بريطانيا والسويد أن جميع المعلومات والأرقام التي تلقى على مسامعنا يجب التأكد منها (double check) قبل أخذها بشكل نهائي، وبفضل الله انعكس ذلك على كثير من مواقفي ومقالاتي، وفي الأسبوع الماضي أُشيع أن عدد مساجين الرأي في الكويت، وكذلك الذين غادروا البلاد بسبب أحكام صدرت عليهم بالسجن يصل إلى ألف مواطن، وهو تصريح صدر عن أحد النواب الذين اجتمعوا ليلة افتتاح دور الانعقاد الثاني، كما ذكر الأخ مبارك الدويلة في فيديو نشر قبل أيام أن عددهم بين 300 و400، وفي أكثر من ديوانية سمعت من يقول إنهم 600 كويتي، ولم أقتنع بصحة هذه الأعداد مما دفعني لسؤال بعض المختصين: هل صحيح أن مئات الكويتيين صدرت عليهم أحكام بالسجن بسبب التعبير عن الرأي؟ فكانت الإجابة كما توقعت وهي:
أولاً: أن الرأي المجرد لا يشكل أي جريمة في الكويت، فلا سجن ولا غرامة، وهو يمارس يومياً عبر مختلف وسائل التعبير مثل النقد الشديد للحكومة والوزراء والنواب وأعمالهم وقراراتهم ومواقفهم داخل المجلس وخارجه، وأيضاً الهجوم على مختلف القوانين والمطالبة بتغييرها.
أما التعريض بكرامة المواطنين وخصوصياتهم ونسبة أقوال أو أفعال مسيئة وغير صحيحة لهم، وكذلك خدش الآداب العامة والتأثير على العملة الوطنية وغيرها من المخالفات لقوانين المطبوعات والتعبير المنتشرة في التغريدات ووسائل التعبير فعقوبتها هي الغرامة فقط التي يقدرها القضاء وليست السجن.
إذاً فالحقيقة الأولى هي أن حرية التعبير عن الرأي مكفولة ولا وجود للسجن على إبداء الرأي في الكويت.
أما الاعتداء بالطعن والتجريح على الثوابت الدينية أو على ذات الأمير أو الدعوة لتغيير النظام بالقوة أو القيام بأعمال عدائية ضد الدول الشقيقة والصديقة بإحدى وسائل التعبير فإنه يخرج أصحابها من إطار الرأي الى إطار الجريمة، فمثلاً هل يقبل المجتمع بالتطاول على الله، سبحانه وتعالى، أو الأنبياء أو زوجات النبي أو الصحابة أو أهل البيت؟ وهل من المقبول المساس بذات الأمير خلافاً للمنع الدستوري في المادة (54)؟ وهل يساغ استخدام وسائل التعبير للدعوة إلى قلب نظام الحكم؟ وهل من مصلحة الكويت قيام بعض أبنائها بأعمال عدائية ضد الدول الشقيقة والمجاورة؟ وكيف سينعكس هذا على الأمن والاستقرار في الكويت؟
والإجابة عن هذه الأسئلة هي أن المشرع الكويتي اعتبر هذه الأمور من الجرائم الخطيرة وليست من الرأي، وذلك بناء على الشريعة الإسلامية ومن أجل حماية الكويت وثوابتها واستقرارها مما قد يسيء إلى عقيدتها ومواطنيها أو مما قد يثير الفتن ويعكر السلم الاجتماعي.
ثانياً: حسب إفادة المتخصصين أيضاً فإن أعداد المدانين المسجونين حاليا بهذه الجرائم الخطيرة بواسطة استخدام وسائل التعبير هي كالتالي:
- الطعن في الذات الإلهية والدين والصحابة وأمهات المؤمنين وآل البيت والصحابة (4) مساجين فقط.
- الطعن في الذات الأميرية (9) فقط.
- القيام بعمل عدائي ضد دولة شقيقة أو صديقة (3) فقط.
- التحريض على قلب نظام الحكم (3) فقط.
- الإضرار بالمصالح القومية للبلاد (5) فقط.
- الإساءة للأشخاص بالتهديد والابتزاز باستخدام الصور والخصوصيات الماسة بالأعراض (11) فقط.
المجموع (35) فقط.
ويقول المختصون أيضاً إن أعداد المحكومين بالسجن الموجودين خارج البلاد أقل من هذه الأرقام.
إذاً فالحقيقة الثانية هي أن أعداد من صدرت عليهم أحكام بالسجن أقل بكثير مما ينشر، وحتى نقطع الشك باليقين يجب على الحكومة أن تنشر الأعداد الدقيقة لفئة المحكومين بالسجن داخل الكويت وخارجها في جرائم التعبير والنشر، كما أرجو أن يقدم أحد النواب سؤالا برلمانيا دقيقا عن أعداد المدانين بالسجن على الجرائم التي ترتكب باستخدام وسائل التعبير المختلفة.
ولابد في هذا المقام من التوضيح أن هناك اختلافاً قانونياً كبيراً يتعلق بتفسير القيام بعمل عدائي ضد إحدى الدول، وهو الذي جرمته المادة الرابعة من قانون أمن الدولة (1970/31)، إذ ذهبت بعض المحاكم إلى اعتبار أن الإساءة بإحدى وسائل التعبير هي من قبيل الأعمال العدائية، في حين فسرت المحكمة الدستورية (الطعن 2015/31) العمل العدائي بأنه "تجنيد وتسخير العناصر والجماعات لخدمة هدف مؤثم"، والعمل العدائي الآخر هو "الفعل الظاهر الخطورة" و"يكون فعلاً مادياً وخارجياً ملموساً ومحسوساً"، وهذا الخلاف يستدعي تدخلاً تشريعياً يحصر العمل العدائي بالأعمال المادية المذكورة في حكم الدستورية ويضع الإساءة بإحدى وسائل التعبير في نطاق الغرامة المالية، والجدير بالذكر أن الأخذ بتفسير المحكمة الدستورية يقلل أعداد الذين صدرت بحقهم أحكام بالحبس في هذا الموضوع بالذات.
والخلاصة أن من الأهمية بمكان أن نفرق في تعبيراتنا بأي وسيلة من وسائل التعبير بين الرأي المجرد وهو مندوب ومطلوب وبين المخالفة للشرع والدستور والمصلحة العامة وحرمات الناس وكراماتهم، والله الموفق.
تعليقات