د. محمد المقاطع: عفو كريم... ومصالحة وطنية تاريخية

زاوية الكتاب

كتب د. محمد المقاطع 416 مشاهدات 0


التاريخ يدوّن الوقائع والحقائق بشكل صحيح مرة واحدة، ولن تتغير الوقائع ولا الحقائق التي يدونها التاريخ عن الأمم أو الشعوب أو الحكام.

والكويت تعيش اليوم لحظة تاريخية فارقة، يستشعر المخلصون من أهل الكويت وأبنائها ضرورة أن يتم توثيق وكتابة تاريخها بأبهى الصور وأكملها، رغم عدم اكتراث بعض مرضى النفوس من طلابين المال أو النفوذ أو الشهرة إذا تم تدوينها مشوهة أو منقوصة أو مزيفة.

ولعل التقاء الإرادة الأميرية مع الإرادة الشعبية لطيّ ملفات أرهقت الكويت عقداً من الزمان بمصالحة وطنية تاريخية وعفو كريم، غاية ينبغي الحرص عليها وإنجازها، حتى تسجل للمبادر بها وراعيها وأطرافها ومراحلها أحرف من نور تنطق بتاريخهم وتعاطيهم الحكيم مع ملابساتها، وأن تلحقها معالجة عاجلة لكل القوانين والتشريعات، التي أوصلت لأحوال ملاحقة السياسيين وأصحاب الرأي، مما شكل عقبة كؤوداً أمام مصالحة وطنية حقيقية، وإنهاء تراجع الحريات التي ضاقت مساحتها، رغم اتساعها في أحكام الدستور وما جبل عليه الكويتيون.

إن ما دشنه سمو الأمير من إطلاقه مبادرة كريمة لتهيئة جميع الظروف لمصالحة وطنية شاملة، مستهلها بالعفو الكريم عن أبنائه من المحكومين في قضايا الرأي والمواقف أو الاعتبارات السياسية، ينبغي الحرص على الحفاظ عليها بصفائها ونقائها، من دون أن يلحق بها ما ينتقص منها أو يكدر صدقيتها أو يعطلها أو يجزئها أو ينال من مقاصدها، أو الإضرار بها ممن يحاول القفز عليها أو التكسب المؤذي من خلالها.

وهي استحقاق وطني حتى تدون في التاريخ من لحظتها الأولى، وفي جميع مراحلها المتعاقبة والمتكاملة، وحتى نهايتها بصورة صحيحة ومشرقة، بلا تحريف أو تحوير أو تزييف.

ومن حسن طالعنا ألا نضيع هذه الفرصة التاريخية، استجابة لأطراف أو أشخاص لا يعنيهم إلا تحقيق مجدهم الشخصي وإشباع رغبات الطمع والأنانية والأثرة التي تهيمن عليهم في تعاطيهم مع الموضوعات، التي هي حيوية لتعزيز وحدتنا ولحمتنا الوطنية، وهو ما يلزم إلى جوار الإقرار بأخطائنا أن نتراجع عنها ونصلح ما أفسده الدهر، أو الممارسات غير الدستورية أو المقوضة للمبادئ البرلمانية، حتى نغدو من الأمم التي خلدها التاريخ بصفحاته الناصعة والمعتبرة.

تفريعاً على ما سبق، فإنه ينبغي الحفاظ على طبيعة العفو الكريم، كما قصده سمو الأمير، ومن ثم لا يصح بحجة الضوابط والشروط أن يستبعد أحد من المحكومين بقضايا الرأي والمواقف السياسية، فيحجب عنه حصوله عليه، ومن دون أن تقحمنا تلك الشروط في نطاق الاختلاف والتنازع لاقترانها بما تنتفي معه صفته الكريمة أو تنتقص من كرامة أو مكانة المعفى عنهم، أو تُفقدهم اعتبارهم ومكانتهم بين أهلهم أو أبناء مجتمعهم، فلا مندوحة من أن يأتي العفو بصفائه، وليكن مرحلة تنقلنا لمراحل أخرى سلسة ومتممة له، تتويجاً لمصالحة وطنية شاملة باستحقاقات وطنية طال انتظارها، وهو ما عساه أن تلحقه حالة توافق وطني لعفو شامل يطوي هذه الصفحات إلى الأبد.

فأمامنا بلد يئن من الأوجاع، ويتألم من الخلافات، وقد كبدته الصراعات أفدح الخسائر والتبعات، فلابد من أن نعيد لكويتنا اعتبارها ولسلطاتها مكانتها واحترامها، بقيادة رشيدة من سمو الأمير وولي عهده الأمين. ولعلنا نشهد دور انعقاد يعيد مجلس الأمة إلى ممارساته الحميدة والمشهودة، بلا تسويف أو تعطيل.

تعليقات

اكتب تعليقك