بدر خالد البحر: إلغاء هيئة القرآن والسنة.. رأفة بالمال العام

زاوية الكتاب

كتب بدر خالد البحر 3005 مشاهدات 0


بالزاوية البعيدة في المكتب نحتفظ بصناديق تحتوي مستندات وتقارير وقصاصات أوراق لتجارب ومشاريع وقضايا كنا أحد أطرافها، بعضها من الأهمية ما أحدث ضجة في البلد لعقود، كالمتعلقة بالتعدي على المال العام، أحد الصناديق يحتوي على قصة ما يسمى الآن «الهيئة العامة للعناية بطباعة ونشر القرآن الكريم والسنة النبوية وعلومهما»، والتي بدأت فكرتها حين كان أب وابنه في مسجد المارينا مول، فشاء الله أن تحط يد الطفل مشاري على مصحف أعطاه لوالده، ولما فتحه لم يجد سورة الحمد وأوائل البقرة فاحتفظ به ولا يزال، وكتبنا حينها مقالاً في يونيو 2004 «مصحف المارينا محرّف والأوقاف نايمة»، فعقبت «الأوقاف»، فعقبنا على تعقيبها وكشفنا مثالبها، فردت الوزارة بأدب وأصدرت التعميمات اللازمة وأحالت مقترحاتنا إلى الجهات المختصة، ثم دعانا رئيس لجنة فحص المصاحف لنقف على جهود الوزارة، فاقترحنا عليه أن تطبع الوزارة المصحف أسوة بالمملكة، فقدم لنا دراسة مبدئية لم تأخذ قدراً من اهتمام المسؤولين، فطلبنا منه تنقيحها، وأضفنا لها دراسة فنية ومالية وتصميماً معمارياً من «مكتب السور» الذي لم يأخذ مقابلاً، ثم وقع اختيارنا على مشايخ أفاضل لمكانتهم وثقلهم الاجتماعي: الشيخ يوسف الحجي رحمه الله، ود. خالد المذكور، أ.د. محمد الطبطبائي، فباركوا المشروع ووقعوا على رسالة لدعم تمويل الدراسة، فاستجابت شركات استثمار زميلة، وأرسلناها إلى لبنان فطبعت مجلدات ضخمة للأمير وولي العهد ورئيس الوزراء، إضافة إلى كتيبات عالية الجودة، وأجريت بعدها المقابلات، وحظينا على إثرها بمباركة الدولة، إلا أن الأوضاع السياسية حينها كانت في مد وجزر بين الحكومة والمعارضة، مما عطّل صدور المرسوم، تخللت ذلك جهود حثيثة مع المشايخ الأفاضل، وقمنا بلقاءات عدة في مجلس الوزراء و«الفتوى والتشريعات» ووزير الأوقاف المستشار راشد الحماد، وبعد مرور ثلاث سنوات تقريباً صدر مرسوم 269/2010 لإنشاء مركز الكويت للقرآن الكريم وعلومه بمجلس أمناء، ضم أيضاً السيد ثامر جابر الأحمد الذي كانت له مساعٍ طيبة، منها محاولاته توفير أرض للمشروع، وقد تضافرت الجهود لإعداد التصميم لبناء المجمع والمطبعة شارك فيها، ومن غير مقابل، المرحوم مجبل المطوع أول رئيس للمركز العلمي، فسطر الجميع تاريخاً من العمل الدؤوب لا يمكن حصره في سطور.

كان لعاب حزب السلف يسيل، وفي أحد اجتماعاتنا مع الوزير أشار أحدهم، وهو لا يزال الآن مسؤولاً في الوزارة، إلى أن المشروع غير دستوري، فالتفت إليه مبتسماً «ترا بس راح نطبع مصحف»!! وراحوا يخططون بمعية أصحاب الشهادات المزورة فنظموا «لوبياً» داخل البرلمان، الذي كانت غالبيته معارضة، منها حزبية، فتم إقرار قانون هيئة القرآن والسنة ليتحقق هدفهم الرئيسي بمادته التاسعة: «يؤول مركز الكويت للقرآن الكريم وعلومه للهيئة»، فسيطروا على مجلس الهيئة وبتعيينات حزبية وقبلية، بعد استقالة الوزير الحماد، الذي صد تدخلاتهم في السابق، لتنطفئ الشعلة التي أوقدت المشروع، ويدخل تحت عباءة المصالح بشكل مقزز أهدر الفكرة والمال العام، فلم يتم حتى الآن إنشاء المجمع والمطبعة، أي لم تطبع نسخة واحدة من المصحف، أما الطبعات من خارج الكويت فعليها ما يكفي من ملاحظات، إحداها مضحك، وهو وضعهم لأسمائهم كمجلس إدارة في آخر المصحف في بدعة محدثة شاذة، بررها المدير بالإنابة، وليته لم يبرر، بأنه «تقديراً لدورهم في إنجاز مصحف الكويت»، فعن أي إنجاز والمطبعة لم تنشأ، وكان من الممكن وضع اسم الهيئة فقط، علماً بأن العلماء اختلفوا حتى على وجود الختمة في نهاية المصحف، لأن القرآن هو: «كلام الله بين دفتي المصحف»، فكيف بوجود أسماء أشخاص بعضهم عليه ما عليه؟! وهو ما يستوجب جمع النسخ وحذف الصفحة وإعادة التغليف.

نكتب هذا المقال في ذكرى يوم أمس لمرور تسعة وثلاثين عاماً على وضع حجر الأساس لمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، الذي وصلت طاقته الإنتاجية إلى أكثر من ثمانية عشر مليون نسخة سنوياً، إضافة إلى التراجم والعلوم والنسخ الإلكترونية وغيرها، ونحن ولا مصحف حتى تاريخه، ليعرف الجميع الأثر السيئ لما يسمى برلماناً على مفاصل الدولة حين تتشيطن الفئوية والحزبية لنيل المصالح على حساب الأمة، فالمملكة الشقيقة أنجزت هذا الصرح العالمي من غير أحزاب ومجلس ونحن فشلنا وسنستمر.

لذلك فهي رسالة لسمو الرئيس، لعلها تكون سبباً كافياً لإيقاف الأربعة عشر مليوناً على حد زعم مدير الهيئة ديسمبر الماضي لإنشاء المطبعة في ظل عجز موازنة الدولة، وفي ظل مفسدة أحزاب تتصارع، وأنتم غير قادرين على إدارة دفة رحاهم! في حين نستطيع طباعة المصحف لدى الشقيقة المملكة أو بأي مطبعة حول العالم. فلماذا لا يقتنع سمو الرئيس بأن الوزارة تكفي مما يتطلب إلغاء وحل هيئة القرآن والسنة حماية ورأفة بالمال العام؟!

تعليقات

اكتب تعليقك