د. حامد الحمود: «من هنا نُبحر»..لتحقيق ثورة في التعليم

زاوية الكتاب

د.حامد الحمود 3160 مشاهدات 0


بداية، أود أن أوضح أن كلمة «ثورة» في عنوان المقال لا أستعيرها من أدبيات ماركسية أو يسارية أو من أدبيات حزب البعث، وإنما من بحث طويل بعنوان «الإستراتيجية كثورة» نشره غاري هامل Gary Hamel، أستاذ الإستراتيجية في جامعة هارفارد وجامعة متشيغان - في دورية هارفارد بزنيس ريفيو HBR في يوليو 1996. وأول مرة اطلعت عليه كان عندما حضرت دورة عن الإستراتيجية في جامعة أوكسفورد عام 1997. وكنت قبلها قد استمعت إلى زميله في جامعة متشيغان C.K. Prahaland يتحدث عندما كان محاضراً لنا حول الموضوع نفسه في دورة تطويرية عن الدراسات الإستراتيجية في كلية وارتون لإدارة الأعمال Wharton Business School.

وكان لهذا البحث، الذي نشره هامل في 1996، أثره الكبير في تغيير التفكير الإستراتيجي في الشركات والإدارات الحكومية، ليس في الولايات المتحدة فقط، وإنما على مستوى العالم، بل كان له الأثر الكبير في تغيير حياة غاري هامل نفسه. فبعد نشر هذا البحث، أسس شركة للدراسات الإستراتيجية، مكرساً معظم وقته لتقديم الاستشارات لشركات كبرى ومؤسسات عالمية حكومية وغير حكومية. وإن لم ينقطع كلياً عن تقديم المحاضرات في جامعات متشيغان وهارفارد وكلية لندن لإدارة الأعمال.

ولعل أهم ما يتعلمه القارئ من بحث هامل هذا اهتمامه بالتمييز بين التخطيط والتفكير الاستراتيجي. فيذكر في بحثه: «ان المشكلة الرئيسية في إدارة المنظمات (الوزارات أو الشركات) هو الفشل في التمييز بين التخطيط وتشكيل الإستراتيجيات. فالتخطيط عبارة عن جدولة تنفيذ الأعمال وليس باكتشاف، التخطيط للتكنوقراط. أما الإستراتيجية، فهي للحالمين. لذا فإن إعطاء مسؤولية خلق الإستراتيجيات للتكنوقراط، هو بمنزلة أن نتوقع من البنّاء bricklayer أن ينحت تمثال العذراء المنتحبة Pieta لمايكل أنجلو».

فالتفكير الإستراتيجي يتطلب أفراداً يحملون هموماً، ويفضل أن يكون المشارك في وضع الإستراتيجية قد شرب من خبرات علمية مختلفة. وإن كانوا فريقاً، أن يكون الأفراد المشكلون للفريق من خلفيات علمية وعملية متمايزة ومتكاملة، أن يضم المهندس والمؤرخ والكيميائي والاقتصادي والمحاسب والطبيب. وهذا ما يميز فريق «من هنا نُبحر»، الذي حضرت ندوة نظموها بتاريخ 13 أكتوبر في المكتبة الوطنية. قدم الأعضاء فيها مبادرتهم الوطنية لإصلاح التعليم في الكويت. ولقد ضم الفريق د. إسراء العيسى، ود. عهود العصفور، ود. علي عبدالرحمن الكندري، ود. عبدالله يوسف الفيلكاوي، ود. إبراهيم الحوطي، والأستاذ يوسف محمد المحميد، ود.فاطمة الهاشم. وكما ذكرت المبادرة، فإنها نشأت من رحم المعاناة.

إن أعضاء فريق «من هنا نُبحر» لم يوظفوا من مجلس تخطيط، ولا من وزارة التربية أو التعليم العالي، ولا من هيئة حكومية تحمل شعارات فضفاضة، وإنما أعطوا من وقتهم وبذلوا جهوداً لتقديم مبادرة لإصلاح التعليم في الكويت بعد أن شعروا ولاحظوا عن قرب المستوى المتدهور للتعليم في الكويت.

وكما ذكرت مبادرتهم، فإن أزمة التعليم خلال فترة كورونا كشفت رأس الجبل الجليدي، الذي اصطدم بباخرة التعليم، لكن ما وجدوه في أسفل هذا الجبل الجليدي كان أعظم، وكما تضمنته المبادرة:

«فإنها اجتهاد من مجموعة من المؤمنين بضرورة إسعاف المنظومة التعليمية في بلدنا الغالي الكويت. نقدم فيها خريطة طريق للتعليم. وقد كتبت هذه المبادرة بعد قراءة أبحاث عديدة وسبر أغوار دراسات تربوية كثيرة، وجمع إحصاءات موثقة والاطلاع على تجارب متنوعة، وبعد إجراء مقابلات شخصية وتنظيم سلسلة لقاءات شارك فيها كثير من المهتمين بالشأن التعليمي».

فهؤلاء ليسوا بتكنوقراط ينفذون أو يعدون خططاً، كما يشير غاري هامل في «الإستراتيجية كثورة»، وإنما مفكرون إستراتيجيون حالمون، بل إنهم إستراتيجيون لأنهم حالمون بمستقبل أفضل للتعليم في الكويت.

وتميزت الندوة، التي عقدت في المكتبة الوطنية لتقديم المبادرة، بأنه شارك فيها كل عضو من فريق المبادرة بما تميز به من خلال المبادرة. والأهم أن استمع الأعضاء بصبر وتعاطف لملاحظات وإضافات الحضور، وكانوا مختلفي المشارب، جمعهم الاهتمام بالتعليم. وأعجبتني صراحة مسؤول رفيع في وزارة التربية، عندما صرح قائلاً: «كنت أعتقد أني أستطيع إصلاح التعليم عندما كنت معلماً، ولم أقدر، وحملت الظن عندما أصبحت رئيس قسم بالوزارة فلم أستطع، كما أني لم أستطع مديراً. وأنا حالياً وكيل مساعد وأقر أني لا أستطيع إصلاح التعليم في الكويت». فحتى القياديون في وزارة التربية لا يستطيعون المبادرة لإصلاح التعليم، لأنهم يعملون ضمن بيروقراطية تُعطّل إرادتهم. فهم غير قادرين وليسوا بمؤهلين لممارسة التفكير الإستراتيجي. وكثير من القادرين مهمشون في غرف معزولة يحرص رؤساؤهم على حضورهم، ويحرصون كذلك على إخماد الحاسية النقدية لديهم.

ولاحظت خلال النقاش حول المبادرة كم أن المفردات تستخدم من دون فهم معانيها. فرؤية وإستراتيجية وخطة وهدف تستخدم وكأنها كلمات مترادفة. ومع الأسف كان ذلك من أساتذة من الحضور ومن رتب عالية في الدولة، والذي يعكس بدائية التفكير الإستراتيجي في الكويت.

وأود أن أشير هنا إلى أن التفكير الإستراتيجي لا يتطلب بالضرورة حضور دورات في جامعات مرموقة. فالكويت ممتلئة بمفكرين إستراتيجيين، تميزوا وحققوا نجاحات، وهم بالكاد يعرفون القراءة والكتابة. فالكويت مكونة من مهاجرين من نجد والعراق وإيران، أسسوا شركات وقادوا مؤسسات، لأنهم تمكنوا من تحويل همومهم إلى رؤى وإستراتيجيات وخطط، وكيّفوا خططهم مع الوقت لتحقيق أهدافهم. وأرى أن الترهل الوظيفي والبيروقراطية قد قتلا الفكر الإستراتيجي الذي تميّز فيه الأوائل.

ومن مظاهر تدهور التعليم وقبل ندوة «من هنا نُبحر» بثلاثة أيام، أي بتاريخ 10 أكتوبر، وضعت «الجريدة» هذا المانشيت، وعنوانه الرئيسي: «طلبة الثالث الابتدائي لا يجيدون كتابة أسمائهم». وتفاصيل الخبر أن %30 من طلاب السنة الثالثة الابتدائي لا يجيدون كتابة أسمائهم. هذا بعد سنتين من التعلّم عن بعد. والسبب طبعاً أنه خلال فترة التعلّم عن بعد كان أولياء أمورهم يقومون بحل واجباتهم. فهؤلاء «الأولياء» يريدون نجاح أبنائهم ولا يهمهم تعليمهم. هذه العقلية تحتاج إلى نفضة وإلى توعية، وإلى أن يتحول التعليم إلى مشروع دولة، وأن تتحول إستراتيجية إصلاح التعليم إلى إستراتيجية دولة وليست إستراتيجية وزارة.

وأخيراً، أقتبس من الكلمة الختامية التي قدمها الدكتور علي الكندري، عضو فريق «من هنا نُبحر» وأستاذ التاريخ بجامعة الكويت، قوله: «هذه المبادرة كتبها أبناء الوطن، قدموا فيها خلاصة علمهم وتجربتهم من دون مجاملة أو انتقاص. قدموا تشخيصاً كتشخيص الطبيب الماهر. فلا وقت للمجاملات، ولا وقت للتذمر. نحن نقدم خطوة أولى».

وإن كانت البداية «من هنا نُبحر»، فالتساؤل لكي تتحقق الثورة في التعليم يبقى: كيف نُبحر؟

تعليقات

اكتب تعليقك