عبدالله محمد العفاسي: حرق القياديين
زاوية الكتابكتب عبدالله محمد العفاسي أكتوبر 17, 2021, 10:36 م 739 مشاهدات 0
لا أعلم لماذا تذكرت فجأة جماهير نادي الرجاء المغربي وهم يرددون أغنيتهم المشهورة:
«لمن نشكي حالي... الشكوى للرب العالي، غير هو الي داري... في هاد البلاد عايشين في غمامة... طالبين السلامة، نصرنا يا مولانا خلاونا كي اليتامي... نتحاسبوا في القيامة مواهب ضيعتوها... كيف بغيتوا تشوفوها».
لكن سرعان ما اكتشفت أن عقلي الباطن هو من يردد هذ الأغنية، في محاولة لربط ما نشهده منذ فترة من تصعيد وزاري بحق القياديين، ومحاولة حرقهم من خلال تكرار قرارات الوزراء بإحالة المسؤولين للتحقيق دون أي حس مسؤولية لخطورة مثل هذه الإجراءات التي يقف وراءها في الأساس، إما محاولة إبعاد الوزير عن مسؤوليته الأدبية أو ترضية الشارع.
فمع قرب انعقاد جلسات مجلس الأمة، وانتهاء جلسات الحوار الوطني، كثرت التحاليل والإشاعات في شأن إعادة تشكيل الحكومة، وأصبحت هناك بورصة أسماء يومية يتم الترويج والتسويق لها.
كل هذه الأحداث أنشأت لنا في الأسابيع الأخيرة ظاهرة لم نعتد عليها في السابق، وهي تسابق بعض الوزراء لنشر قرارات الإحالة للتحقيق، ووقف قيادات للدولة، في الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي على زعم وجود مخالفات إدارية!
وعملياً، أصبحت سلطة الإحالة للتحقيق والوقف الاحتياطي عن العمل أداة لترهيب القيادات، فكل خطأ يقع مهما كان المسؤول الحقيقي عنه نجد أن أول قرار يتخذه بعض الوزراء إحالة القيادي إلى التحقيق، مدفوعين بثقافة تقديم القرابين أو البحث عن كبش فداء لأي أزمة تحدث.
بالطبع، نحن مع المحاسبة والمساءلة العادلة التي «تقص» الحق من أصحابه، لكن لا يفترض أن يشمل ذلك التضحية بالقيادي بهدف التملص من مساءلة الوزير.
فالوزير هو المسؤول الأول عما يحدث في وزارته، ومسؤول أدبياً عن أي خطأ في الوزارة، وهذا ما يعكسه الكثير من رجالات السياسة الذين تحملوا هذه المسؤولية منفردين بتقديم استقالاتهم مستشعرين حجم المسؤولية دون أن يبحثوا عن بديل للقيام بهذا الدور.
وللأسف، ينسى أصحاب السلطة أنه عندما قرر المشرع سلطة التحقيق والوقف الاحتياطي للوزير، لم يتركها من دون أطر تصون هذا الحق، حيث أحاطها بضمانات وقيود تضمن استخدامها كأداة فاعلة لا تنطوى على عقوبة يقصد بها إبعاد الموظف العام عن الوظيفة وإلحاق الضرر المادي والنفسي به وبأسرته ومجتمعه.
إن إحلال القيادي محل مرؤوسيه في كل الجوانب والأعمال اليومية ومساءلته عن ذلك، هو عين الانحراف عن السلطة، لأنه وببساطة يتعارض مع طبيعة العمل الإداري لاستحالة تحمله مسؤولية الحلول الكاملة محل مرؤوسيه.
ولذا، لا تنهض مسؤولية القيادي إلا في حال سوء ممارسته لمسؤولياته الرئاسية، وهذا ما استقرت عليه الأحكام القضائية.
وميدانياً، يخلق التصعيد غير المبرر والترهيب ضد بعض القياديين قاعدة أوسع من القياديين المرتعشين الذين يفضلون القيام بالأعمال التقليدية تفادياً لإحالتهم للتحقيق، أو الوقف عن العمل تهرباً من المسؤولية التي يتعين على الوزير أدبياً تحملها إذا كان هناك ما يستحق الاستقالة.
ولذلك يعد حرق القياديين على طريقة بعض وزرائنا الذين يعملون بقاعدة ذر الرماد في العيون، أخطر التحديات التي تواجه خطة التنمية، التي تتطلب استقطاب العقول القيادية المبدعة المدعومة، والحفاظ عليها بثقة صاحب القرار والحصانة الكاشفة العادلة التي تعزز الثقة في القيادي وليس تنفيره بتكريس ثقافة التضحية بالقياديين فداء لمعالي الوزير.
تعليقات