داهم القحطاني: يا «كويت».. يا «نيجيريا»؟

زاوية الكتاب

كتب داهم القحطاني 520 مشاهدات 0


يقول الكويتيون في عباراتهم المشهورة: «يا خال يابو ثنتين؟» حين يريد البعض أن يتخذ قراراً حان اتخاذه في أمر ما من دون أن تتضح الرؤية.

و«الخال» و«الثنتين» أوراق لعب في لعبة الورق الكويتية الشهيرة (الكوت)، حيث يقوم أحد اللاعبين الأربعة أو الستة بالحكم بلون الورق الذي يتوقع أن يكسب به لكنه ومهما كان صبوراً، ويتبع أسلوب لعب هادئاً ومتدرجاً سيجد من الرفقاء أو ربع الديوانية من يدفعه للعب بطريقة يا خال يا بو ثنتين، إما لتحقيق مكسب سريع أو لتنتهي اللعبة سريعاً ويتاح المجال للعبة جديدة ولاعبين آخرين. 

هذه المقولة لا تصلح في العمل السياسي الرصين، ولا يلجأ إليها عادة إلا من استنفذ وقته وجهده وموارده من دون أن يتخذ القرار الذي طال انتظاره، فيلجأ للمقامرة بمصير الناس والوطن. 

من أهم أسباب عدم معالجة بعض القضايا الكبرى التي تواجه الكويت شعباً ودولة وحكومة عدم مواجهة الواقع المر كما هو من دون عمليات تجميل، وعدم اتخاذ القرارات الضرورية مهما كانت قاسية.

عدم اتخاذ هذه القرارات القاسية والموجعة اليوم تترتب عليه تكلفة كبيرة جداً في المستقبل القريب، يتحملها الجميع بمن فيهم بعض الشرائح الشعبية، وبعض القوى المتنفذة بأنواعها كافة، من الرافضين للإصلاح الجذري.

هذا الكلام أعلاه أراهن الجميع بأنه سبق ذكره منذ حقبة الثمانينات، ولا يزال يتكرر من دون وجود خطط فعلية وحقيقية للإصلاح الجذري الحقيقي الذي يعصف ببعض المكتسبات والمصالح لشرائح وقوى متعددة، لكنه سينتج في النهاية دولة أكثر استقراراً لا يمكن أن تتعرض لشح في السيولة النقدية، وهي تسبح فوق مئات المليارات من الدنانير، وتطفو فوق ملايين من براميل النفط قدرت احتياطاتها المؤكدة عام 2017 بنحو 101 مليار برميل.

الشح في السيولة لم يحدث لوجود نقص في المداخيل، بل على العكس، فمداخيل الاستثمارات الخارجية آخذة في الازدياد، ولكن تعثر خطط الإصلاح الجذري جعلت دولة عريقة كالكويت تتعثر في قضايا محاسبية ومالية بديهية. 

في كل الأحوال الشرائح الشعبية كافة، والقوى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المستفيدة من تعثر خطط الإصلاح، كل هؤلاء لن يقبلوا بأي إصلاح جذري إذا مسَّ مصالحهم، ولهذا على الإصلاحيين الحقيقيين من المواطنين الذين يخافون على الكويت ومستقبلها أن يرفعوا صوتهم عالياً للمطالبة أولاً بخطط إصلاح جذرية حقيقية تراعي مصلحة الكويت قبل كل شيء، ولا تهمش الشرائح والقوى الأخرى، لكنها تجعل استفادة كل هؤلاء تأتي ضمن خطط الإصلاح وعبر معايير الشفافية والمساواة في الفرص.

من دون هذه المطالبات الشعبية من الصعب جداً على الحكم البدء بخطط الإصلاح الجذرية، فلا نجاح لهذه الخطط من دون حاضنة شعبية وإن كانت قليلة العدد.

وإذا ما قامت الحكومة بالفعل بإعداد خطط الإصلاح الجذرية تبدأ مهمة أخرى، وهي دعم هذه الخطط ومواجهة كل القوى والشرائح الاجتماعية التي ترفضها من حيث المبدأ، أما من حيث التفاصيل فمطلوب نقاش شعبي وسياسي يهدف للوصول لتصورات أفضل ومن دون تعمد خلق أي محاولات للعرقلة.

عدم وجود خطط للإصلاح الجذري يعني، وبكل بساطة، أن هناك من يستولي على حقوق ليست له، وأن الحقوق والمزايا والأموال العامة التي يفترض أن تصرف بعدالة على الجميع، ضمن مفهوم تكافؤ الفرص، تذهب وبشكل غير أخلاقي إلى غير مستحقيها.

هذا الأمر في حقيقته اعتداء على الكويت وعلى شعبها، وإن تم بأيدٍ كويتية، وهو تماماً يتشابه برأيي مع أي اعتداء أجنبي آخر من حيث المضمون.

هل ستقفون مع الإصلاح الجذري الحقيقي الذي قد يحرمكم اليوم من مزايا ضخمة لكن يحفظ استقرار الكويت على المدى البعيد، ويضمن استمرار مستوى مرتفع من الحياة الكريمة لكم ولأولادكم وجيرانكم وشركائكم في الوطن؟.

أم سوف تواصلون دفن الرأس في الرمال وتتركون المركب «سماري»، إلى أن نصحو على يوم نجد فيه وضعنا الاقتصادي شبيهاً للوضع في نيجيريا، أكبر منتج للنفط في أفريقيا، حيث ينتشر الفقر، ويسود المستوى المعيشي الصعب؟

تعليقات

اكتب تعليقك