حسن العيسى: من حيلي لقبيري

زاوية الكتاب

كتب حسن العيسى 871 مشاهدات 0


"يا رب من حيلي لقبيري"، دعاء رائع لكهولتنا، ومَن منّا لا يتمنى أن تنتهي قصة حياته بتحقق هذا الدعاء، تموت من غير صراع مع أمراض العمر الطويل، فلا أنبوب يمتد عميقاً في جوف حلقك للتغذية، أو كمام أوكسجين يكبت على أنفاسك، ولا إبر كثيرة تفترش ذراعيك للدواء والمسكّنات، فلا تستطيع قضاء أبسط حاجاتك البشرية...

تنسى من معك... لا تعرف إذا كان هذا منزلك أم المستشفى... مثل هذه الحياة قال عنها الروائي فيليب روث: "الشيخوخة ليست معركة، إنها مذبحة".

أوليفر ساكس طبيب الأعصاب والكاتب الشهير، بعد أن أصيب بسرطان الكبد واقتربت نهايته، كتب: "عندما يموت الناس القريبون منّا يتركون ثقوباً في حياتنا لا يمكن ملؤها". تتذكر هؤلاء الذين رحلوا وكيف ركبوا قطار الموت، بالدرجة الأولى، أي أنهم ماتوا دون عذاب قبل النهاية، أم بالدرجة الثالثة وهم جالسون مدداً طويلة على مقاعد المعاناة وألم جسدي رهيب، أمور تثير وجدانك، وتتساءل فيها عن معنى الحياة والوجود، وتظل تبحث دائماً عن أسطورة وخرافة تعطي للحياة والموت معنى.

كامو رأى في أسطورة "سيزيف" حلاً وجودياً، فالحياة هي كدفع الصخرة للأعلى ثم تدحرجها للأسفل دون أمل بالنهاية، لا تعني الاستسلام للقدر الإنساني، بل تعني فكرة القبول بالواقع والتكيف معه بدلاً من الانتحار أو الإيمان بمعجزة الخلود.

حين تشاهد قريباً أو صديقاً يعاني آلام إسدال ستار الحياة، لا تشعر حقيقة بالحزن على حاله، أنت في النهاية تستشعر نهايتك، وهل ستكون مثله، وحين تنتهي من زيارته وتخرج وتعود تمارس حياتك، تنسى النهاية، تنسى حكم القدر، وتتوه في قضايا حياتك اليومية، تضيع في مسائل اليوم الصغيرة.

فلاسفة وجوديون، مثل هايدغر وسارتر، يسمون هذا الضياع اليومي وتناسي النهاية، بأنه وجود غير أصيل.

الوجود الأصيل يعني أن تقف بشجاعة أمام حقيقة أن الحياة ستنتهي في أي لحظة، ولا تنسى القدر.

هذا لا يعني أن تفك ارتباطك مع الناس وتتكور في برميل دوجين الفيلسوف الكلبي، ساخراً زاهداً من الدنيا. يقولون إن الإسكندر الكبير وقف أمامه يسأله عن معنى الحياة فردّ عليه "تحرّك قليلاً، فأنت تحجب الشمس عنّي..."، تفاعل مع العالم دون نسيان النهاية.

النهاية هي انتصار عزرائيل الحتمي، في فيلم "الختم السابع" للمخرج السويدي بريغمان، بطل الفيلم فارس شجاع حاور شبح الموت، تراهن معه بلعبة الشطرنج ومَن يكسب رهان الحياة، كان الفارس يأمل المزيد من طول العمر، كان رهاناً خاسراً، فلا أحد يراهن القدر.

هل تملك أمراً من هذه الدنيا؟ غير الذكريات لا شيء، فهي وجودك وهي كل ما تبقى من لقطة سريعة من شريط العمر، ليس لك غير أن تدعو "يا رب من حيلي لقبيري".

تعليقات

اكتب تعليقك