علي البغلي: أفكاركم المتخلِّفة سبَّبت لي الحزن!

زاوية الكتاب

كتب علي البغلي 593 مشاهدات 0


كنت ضمن البعثة الأولى لإرسال الطلبة بعد إنهاء الدراسة بالثانوية إلى فرنسا، وكنا 14 طالبا من صفوة شباب أهل الكويت، ومن أبرم اتفاقية دراسة الطلبة الكويتيين الجامعية إلى فرنسا هو المغفور له خالد المسعود وزير التربية الشجاع، الذي قل من أمثاله من الوزراء في هذا الزمن الغارق بالظلام، بالنسبة لتلك الأيام التي عشناها في الكويت في النصف الثاني من القرن العشرين.. 

وقد ذُهلنا من المناظر التي رأيناها في عاصمة النور باريس التي درسنا فيها اللغة الفرنسية في معهد قرب ميدان الباستيل الفرنسي الشهير، الذي قُطع به رأسا آخر ملك وملكة فرنسية ماري أنطوانيت التي تساءلت لماذا الشعب الفرنسي ثائر ويخرج في تظاهرات؟ قالوا لها لأنه لا يستطيع أن يأكل الخبز! قالت لهم لماذا لا يأكل الكرواسون أو البريوش؟ فزادت اشتعال ثورة الشعب الفرنسي حتى قطع رأسها ورأس زوجها، وكانت ثورة شعبية خالدة شعاراتها مساواة.. حرية.. إخاء.. 

*** 

قررت السفر في إجازة بعد انقطاع طويل عن السفر في إجازات، وأنا من تعود على الخروج في إجازات سفر 4 مرات في السنة على الأقل، ولكي أرتاح نفسيا من القرارات الكورونية، توجهت إلى باريس عن طريق فرانكفورت، وذُهلت لأعداد المسافرين في مطارَي فرانكفورت وشارل ديغول، مقارنة بمطارنا شبه المهجور بالنسبة لهذه المطارات المزدهرة، مع أننا نعيش الظروف نفسها، وتلك المطارات الأوروبية يأتيها المسافرون من أركان الأرض الأربعة، ومطارنا يقتصر من فيه على بعض الوافدين، وقليل من أهل البلد. 

*** 

المهم عشت أوقاتا ولحظات جميلة في ذلك البلد الذي يفيض تحضرا، وقررت أن أعيد شبابي بجولة في مدينة باريس في حافلة مكشوفة ذات دورين، جلست في الدور العلوي 

منها.. فشاهدت أو أعدت مشاهدة أجمل عمائر قديمة رأيتها في حياتي، وهي عمائر أو أبنية ضخمة جدا أقيمت على آلاف الأمتار للأماكن العامة، كالكنائس والبلديات والمجلس النيابي والقصر الرئاسي، والقصور الملكية. هذه العمائر التي بنيت بأشكال فنية أكثر من رائعة، لم نعد نراها في عمائر هذه الأيام، ملئت في طوابقها العلوية والسفلية بعشرات التماثيل التي تقطر روعة وجمالا أخاذا للبشر، من رجال ونساء وأطفال وملائكة وشياطين، لا مثيل لها في العالم أجمع.. عند نزولي في المحطات المتتالية للحافلة أتأمل في تلك الأبنية الخالدة وتماثيلها الجميلة لم أجد أحدا يركع أو يعبد تلك التماثيل! وهي رسالة لمتخلفي هذا المجتمع، الذين نراهم يعلو صراخهم عندما يرون تمثالا أو ما شابه لأحد الشخصيات الشهيرة، كالمغفور له الشيخ عبدالله السالم أبو النهضة الكويتية المعاصرة، الذي كان أمثالهم يخشونه جدا.. وأنا أعتبر أن صراخهم وجأرهم بالأصوات ليس لقناعة منهم لما يعتقدونه، ولكنها مزايدات وأوامر حزبية أصولية متخلفة.. لكن المصيبة هو انصياع أعضاء حكومتنا لهذه الأصوات المنكرة، وهذا هو سبب تخلفنا، وسبب حزني في باريس أب وأم وجدة وفاتنة الدنيا.. 

ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

تعليقات

اكتب تعليقك