العفاسي وَرِثَ أو وُرِّث تركة لا يُحسد عليها، وعليه أن يعي أن الرياضة إرث سياسي، فلا يجب أن يتسرع..افتتاحية الجريدة
زاوية الكتابكتب يوليو 30, 2009, منتصف الليل 1053 مشاهدات 0
الرياضة إرث سياسي... فانتبه يالعفاسي
نحن على ثقة مُطلَقة بأن وزير الشؤون الدكتور محمد العفاسي وَرِثَ أو وُرِّث تركة لا يُحسد عليها، وأصبح على كاهله ملفات جِسام، فمن قضايا العمالة الوافدة وخروقات حقوق الإنسان، إلى العبث في قضايا المُعاقين والاسترزاق منها والاتجار بتصاريح العمل وفوضى دور المسنّين والعجزة، وصولاً الى أهم الملفات وأكثرها تعقيداً، وهو ملف الرياضة بهيئتها وأنديتها واتحاداتها ولجانها المحلية والإقليمية وقوانينها.
هذا الإرث الذي أوكل إلى الأخ وزير الشؤون متراكم ومتجمّع، خصوصاً في ما يتعلق بالملف الرياضي، وهو ما يعنينا الحديث عنه الآن.
نحن نعلم بأن الأخ العفاسي شخص دمث الخلق يتحلى بقيم عالية من الفضيلة، وهو بعيد عن التجاذبات السياسية المحلية، فقد نشأ نشأة عسكرية قوامها الالتزام والانضباط، وتربّى تربية قانونية أصلها الحق والعدل، فلم يكُن العفاسي مُسيَّساً في يوم من الأيام، لكنه قبِل منصبا ومسؤولية ركنهما الأساسي السياسة لا الفضيلة، ويؤكد ذلك ما تحمله صفحات الملف الرياضي من هموم وهواجس سياسية.
لم تكُن الرياضة في الخمسينيات والستينيات حتى أوائل السبعينيات من القرن الماضي، محل تجاذبات أو صراعات سياسية، وكان يديرها أبناء هذا البلد من الذين تطوّعوا لخدمتها ونذروا أنفسهم للارتقاء بها، فكانت الكويت مميزة في المحافل الإقليمية والدولية، وكان أداء أبنائها متفوقاً ومخلصاً، حتى حوّل نفر من أبناء الأسرة الحاكمة أنظارهم إليها وصارت الرياضة محلاً لاهتماماتهم وتدخلاتهم، استعمالاً لنفوذ السلطة أو سطوة المال، فدخلت الرياضة بذلك معترك الحياة السياسية وصارت أكثر أدواتها حيوية ونشاطاً... ونجحت في أن تحولت إلى أداة، لكنها فشلت في الإبقاء على دورها وتعزيز نشاطاتها أو تطويرها، وأصبح الانشغال بانتخابات الأندية الرياضية واتحاداتها على حساب الانشغال بفرقها وتأهيل شبابها والحفاظ على إنجازاتها التي حققتها في العقود المنصرمة.
نتمنى أن تكون هذه هي الخلفية أو الأرضية التي ينطلق منها الأخ وزير الشؤون في قراءته للملف الرياضي، لا الوقوف عند معطيات الاختلاف والتباين في وجهات النظر بمعزل عن جذورها، تلك الجذور تفترض أن يقرأ الأخ العفاسي ما بين السطور، وهو رجل القانون الذي يعرف أن القانون مثلما قد يكون ملجأً فإنه قد يكون وسيلة للتضليل لا التدليل... وهو يعرف -أكثر من غيره- أن هناك من يريد الاحتماء بالقانون أكثر من الحفاظ عليه أو صيانته.
على وزير الشؤون أن يكون سياسياً لأنه 'وزير' ويفهم الأبعاد السياسية للصراعات الرياضية التي ورثها تركة من وزير عن وزير، عن وزير...
في السابق كان التنافس بين أهل البلد محكوماً بقيم وأصول، أهمها أنه تنافس للارتقاء بالقطاع لا لتنصيب فلان على حساب آخر، وعلى حساب الأداء والعطاء، لكن قيمه وأخلاقياته تلاشت، وانعدمت أصوله حين تحول إلى صراع بين عدد من أبناء الاسرة من جهة وآخرين... وتدهورت الرياضة أكثر حين تحول الصراع في الرياضة إلى صراع بين أبناء الأسرة أنفسهم، أو أنهم مارسوه من خلال آخرين من أهل البلد كانوا مجرد واجهة لهم يحركونهم وهم في الخفاء.
نجح عدد من أبناء الشيوخ ممّن لم يكُن لهم حضور سياسي بين أهلهم أو في مؤسسات الدولة بشكل عام، في أن يحققوا وجوداً سياسياً، وأصبح يُشار إليهم عند الحديث عن هموم الرياضة، وحتى السياسة بمعناها الواسع، وهو نجاح يدفع إلى مزيد من التشبث بالرياضة والتمسك بها والحرب من أجلها، كي تبقى ساحة حيّة يستطيعون اللعب بها أو اللعب من خلالها متى رغبوا.
هل يدرك الأخ العفاسي ذلك، أم أنه ينظر إلى الأمور بعين مجردة بعيدة عن الإطار السياسي...؟! لذا فالسؤال يبقى قائماً لوزير الشؤون، وهو سؤال مهم: هل يجوز للحكومة أن تتعهد بشيء لا تملكه، وقد تعهدتم يا معالي الوزير للجنة الأولمبية الدولية بتغيير القوانين، علماً بأنكم دستورياً وقانونياً (وأنت رجل القانون) تملكون حق اقتراح تعديل أو تغيير القوانين، ومجلس الأمة هو السلطة التشريعية، لا وزارة الشؤون أو شباب الرياضة من أبناء الأسرة؟
ماذا ستقولون للجنة الأولمبية التي تعهدتم لها بتغيير القوانين إذا رفض مجلس الأمة هذه الاقتراحات؟ هل ستقولون انظروا يا أهل الكويت كيف يتصرف مجلس الأمة، فهو الذي دفع اللجنة الأولمبية إلى وقف أنشطتنا الرياضية وهو الذي يدفع إلى التأزيم؟ أم أنكم ضامنون أن المجلس في الجيب وأنكم تملكون الأغلبية لتمرير مقترحاتكم؟ أليس في ذلك شيء من الضرب في «الغيب» يا معالي الوزير؟
إن كانت قد غابت عنك الحصافة السياسية في قراءة الملف الرياضي، فكيف تغيب عنك أبجديات العمل الدستوري والقانوني وتستعجل إرسال تلك الرسالة «الوصمة»، وأنت ابن القانون الذي عاش تحت ظلاله؟
ملف الرياضة أكثر تعقيداً ممّا تتصور يا دكتور، ولثقتنا بنقائك نقول: لا تتسرع، وأبقِ على تلك الصورة نقية ناصعة وتتبّع الأشياء.
تعليقات