مبارك الجري: الشهم لا يموت
زاوية الكتابكتب مبارك الجري سبتمبر 7, 2021, 10:35 م 893 مشاهدات 0
قبل وفاته بساعات وصلني خبر أن «د. شفيق الغبرا يحتضر ويعيش آخر لحظات حياته». كان وقع الرسالة علي صعباً ومزعجاً جداً وغريباً في الوقت نفسه. لقد تذكرت تفاصيل مكالماتي معه منذ رحيله إلى العلاج في الولايات المتحدة الأميركية في بداية عام 2020، وحتى عودته إلى وطنه الكويت في منتصف شهر يوليو الماضي. في كل مكالمة يزداد قوة بالرغم من تراجع حالته الصحية، وفي آخر اتصال سألته عن سبب عودته إلى الكويت قال «في الكويت أشعر بالاطمئنان أكثر، ولا أريد أن تكون نهاية حياتي خارجها». الوطن بالنسبة لمعلمي الغبرا طمأنينة وسكينة واستقرار. مفهوم جديد عن الوطنية يضيفه لي أستاذي قبل مغادرته هذه الحياة. كان هذا آخر حوار يجمعني مع الإنسان الشهم د. شفيق الغبرا.
من أهم إصدارات د. شفيق الغبرا كتابه «حياة غير آمنة» الذي وثق به سيرته الذاتية، وأهم محطات حياته لا سيما النضال وحمل السلاح لأجل فلسطين المحتلة. قرأت هذا الكتاب أكثر من مرة وفي كل مرة أكتشف موضوعات جديدة في فكر معلمي وشخصيته. الكتاب ليس مجرد عرض لتجربة شخصية بل تجاوز الطريقة التقليدية للكتابة عن الذات. هناك رسائل مهمة حرص الراحل أن تكون ضمن نصوص هذا الكتاب حتى لا تكون جامدة وبلا معنى، أهمها في تصوري هي أنسنة الفكر. سألت الراحل بعد قراءتي الأولى لهذا الكتاب عن (جهاد) الشخصية المحورية في التجربة، ورد على قائلا «لقد رحل إلى مكان آخر، يبحث فيه عن مرحلة جديدة». لقد رحل جهاد المناضل، ولحقه بسنوات الغبرا المفكر والأكاديمي والمعلم. كلاهما رحلا، ولكن أفكارهما لن ترحل.
إن أكثر ما يحزن القلب هو فراق الإنسان الشهم وفقدانه؛ لأن تفاصيل كلامه ومواقفه ونصائحه وتقديره لك ستكون في الذاكرة مستمرة لا تغيب. هذا هو الألم الذي أشعر به الآن، ألم فقدان الأستاذ والمعلم، ألم فراق الصديق والأخ الناصح، ألم من ترك بصمة في حياتي وأفكاري. هو من قال لي في يوم من الأيام «اقرأ حتى تتعمق أفكارك، وكلما تعمقت اكتشفت نفسك أكثر، وكلما اكتشفتها ستحقق أهدافك». دروس الراحل الحكيمة كثيرة ومؤثرة ولعلها الوحيدة التي تخفف ما أشعر به حالياً، لذلك الذاكرة تتمسك بالإنسان الشهم وبأدواره، والشهم لا يموت.
رحيلك صعب يا أستاذي ومؤلم، ولكن هذه هي سنة الحياة، ولا اعتراض على قدر الله، وعزائي أن أفكارك وإنتاجك البحثي ومحاضراتك باقية لن تموت، وستكون مرجعاً للباحث والقارئ والمهتم. وداعاً يا معلمي، ورحمك الله وأسكنك فسيح جناته. «إنا لله وإنا إليه راجعون».
تعليقات