داهم القحطاني: النفط لن يستمر كمصدر رئيسي للدخل في الكويت ومهما طالت السنين فسنواجه جميعا واقعا جديدا قد يكون مرا إن لم نستعد من الآن ونعالج أكبر تحدٍ يواجه الكويت وهو تعدد مصادر الدخل
زاوية الكتابكتب داهم القحطاني سبتمبر 5, 2021, 10:57 م 468 مشاهدات 0
النفط لن يستمر كمصدر رئيسي للدخل في الكويت، ومهما طالت السنين فسنواجه جميعا واقعا جديدا، قد يكون مرا إن لم نستعد من الآن ونعالج أكبر تحدٍ يواجه الكويت، وهو تعدد مصادر الدخل.
إن لم نفعل ذلك فسيواجه الجميع بمن فيهم أصحاب القرار، والتجار بوادر ثورة اجتماعية، فالبطالة وخفض الرواتب لن يجعلا الناس يصمتون، فالصمت النسبي الحالي عن كوارث سرقات المال العام أحد أسبابه توفر مستوى عال نسبيا من الدخل العالي لدى معظم الكويتيين، ولو لم يتوفر ذلك لرأينا ما نراه الآن في دول عديدة من تظاهرات شعبية غاضبة لا تجامل أحدا.
لو كنت من أصحاب القرار، أو كنت تاجرا أخاف على ثروتي، لدعمت وبقوة فكرة الإصلاح الاقتصادي التي تعتمد على ركائز كثيرة، من ضمنها حماية الثروة الحالية من الاستنزاف، والبحث بشكل جدي عن موارد أخرى بخلاف النفط، والاستثمار في الخارج، لأنني، إن لم يتم هذا الإصلاح الذي سيحفظ الحياة الكريمة للجميع، فسأواجه كصاحب قرار، وسأواجه كتاجر، ثورة اجتماعية لن أتمكن من الصمود أمامها مهما بالغت في العسكرة، وتشددت في قوانين قمع الحريات.
اليوم سأسلط الضوء على ثروة وطنية لا تسيطر عليها الدولة تماما، وتذهب معظم مداخيلها للأسف إلى جهات أخرى، منها شركات ومواطنون.
هذه الثروة تتمثل في آلاف القسائم الصناعية التي تؤجَّر من الباطن بأسعار فلكية، وتنقل ملكيتها بقيمة ضخمة جدا، وتستثمر بغير نشاطها الأصلي وبسعر كبير جدا من دون أن تستفيد الدولة، رغم أنها المالك الأصلي، من هذه الثروة الضخمة جدا.
السماح لمستأجري القسائم الصناعية بفتح محال تخالف النشاط الرئيسي إلى درجة تحوُّل المناطق الصناعية إلى صالونات حلاقة ومعاهد تجميل، وحصول مستأجر القسيمة على مبالغ خيالية مقابل الخلو والتأجير، كل ذلك يعتبر تضييعا مقننا لثروات الدولة، وللأسف هذا التضييع المقنن يتم برعاية حكومية وصمت برلماني وشعبي.
ورغم أن هذا التضييع العلني لثروات الدولة يتم وبوضوح الشمس، نجد أن الكل تقريبا صامت، بما في ذلك معظم أعضاء مجلسي الأمة، والوزراء، والأجهزة الرقابية.
القسائم الصناعية يجب أن تخصص لاستخداماتها الأصلية، على أن يتم تسعير تأجير القسيمة أو نقلها وفق أسعار السوق والنشاط وطبيعة الأنشطة غير الرئيسية المضافة، وأن يكون هناك تسعير مختلف للقسائم حسب هذه المعايير.
وإن لزم الأمر على الحكومة سحب كل القسائم الصناعية وإعادتها للدولة، وجعل تأجيرها يتم بشكل مباشر مع الحكومة، بحيث ننهي ظاهرة «تضمين الأنشطة»، فمن غير المعقول أن يحظى مواطنون بأموال طائلة لعقود من الزمن وهم مجرد وسطاء بين صاحب النشاط الفعلي، والحكومة، ويُحرم مواطنون آخرون.
أعلم أن هناك الآلاف من المواطنين المستفيدين من «حلب» القسائم الصناعية، منهم «أكبرها وأسمنها»، ومنهم أصحاب نفوذ وتجار، ومنهم أيضا مواطنون، أعلم أنهم سيثورون ضد هذه الفكرة، ببساطة لأنهم مستفيدون ماديا، ولزمن طويل، وبشكل غير عادل، من هذه الفوضى.
لكنني متأكد أن باقي المواطنين الذين يحرصون على حقوق الدولة والشعب سيتصدون، شعبيا وإعلاميا، لهذه المسألة، فقط نريد قرارا شجاعا من الدولة يوقف هذا التضييع المستمر لثروات الدولة.
هذا الكلام لا ينطبق على مستأجري القسائم من الشركات التي تستغلها بالفعل وفق النشاط الأصلي، فهؤلاء يجب تشجيعهم ودعمهم طالما كان نشاطهم يصب في مصلحة الاقتصاد الوطني.
أتمنى أن ينتبه أحد ما لهذه القضية المهمة، فهذا مصدر هائل سيعزز إيرادات الدولة.
في مجلس الأمة السابع (برلمان 1992) ناقشت اللجنة التشريعية برئاسة المرحوم حمد الجوعان مقترحا بقانون يقضي ببيع القسائم الصناعية على مستأجريها لتعزيز دخل الدولة، وقُدرت القيمة السوقية لهذه القسائم آنذاك بـ«8» مليارات دينار، لكن المقترح لم يمر.
اليوم، هذه القسائم الصناعية وغيرها من القسائم الصناعية المستحدثة تبلغ قيمتها السوقية أكثر من ذلك بكثير، فلماذا يستفيد قلة من المواطنين من هذه الثروة الهائلة، ومنذ عقود، ولا يستفيد منها بقية المواطنين؟
ولماذا تترك الحكومة عقارات الدولة بيد الغير ليكسبوا المليارات من الدنانير ولا تستفيد الدولة منها؟!
رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، وفي تقرير شهير، أعدته شركته الاستشارية، كلف الحكومة الكويتية ملايين الدنانير، اعتبر أن أراضي وعقارات الدولة تشمل مصدر الدخل الثاني للكويت بعد النفط.
ورغم أننا لا نحتاج إلى تقرير من بلير يكلفنا الملايين من الدنانير لنعلم ذلك، لكنها معلومة جاءت لتؤكد ما كان يردده عديد من المصلحين، من سياسيين وكتّاب، بأن ما يحصل في قطاع القسائم الصناعية يتعلق بثروة وطنية هائلة تجب حمايتها، وجعلها تصب في مصلحة كل الشعب، قبل أن تحصل الكارثة، ويسود الشح والفقر، فينفجر البركان الاجتماعي لاحقا.
تعليقات